عندما أتحاور مع أحد الزملاء أو حتى الصديقات دائماً ما أُتهم بأني ضد الديمقراطية، على اعتبار أن اليمن قد سبق العديد من الدول العربية في نهج الديمقراطية كمسار يقوده نحو التنمية والرخاء.
نعم أنا لا أنكر ذلك ولا أحد يستطيع أن ينكره، ولكن هل يستطيع أحدكم الإجابة على ماذا جنى المواطن اليمني من الديمقراطية؟ وهل ستحقق للمواطن اليمني كل ما يحلم به من رغد العيش؟! وهل كنا بالأمس أفضل حالاً مما
نحن عليه اليوم في عهد الديمقراطية؟!.
ليسمح لي القارئ الكريم أن أجيب على السؤال الأخير وأترك بقية الأسئلة له ليجيب عليها.
إن الكثير من اليمنيين كانوا بالأمس أفضل حالاً في سهولة الحصول على لقمة العيش وحرية العمل، فحينما كانت الديمقراطية معدومة كان الجوع معدوماً أيضاً والفقر مقطوعاً دابره، والبطالة لا نعرفها.. فقد كان الكل يأكل
ويشرب ويحمد الله، وكانت المواد الغذائية مدعومة.. وهذه حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها، حتى وإن كانت الرواتب قليلة إلا أنها كانت تتوافق وتتماشى مع الحياة المعيشية، فقد كان مصنع الغزل والنسيج ينتج وإنتاجه يباع
وبأسعار مناسبة للكل وحتى الأعياد كانت المؤسسات تمتلىء بالملابس الرخيصة والجميلة.. صحيح كان الكل يلبس لباساً موحداً أيام الأعياد ولكن كان الجميع يلبس ويتهنأ بالعيد.
نعم بالأمس كانت المؤسسات الحكومية مفتوحة وتعمل وتنتج.. اليوم أنظروا إلى حال أغلبية موظفي اليمن.. البعض لا يكفيه راتبه والبعض الآخر تقاعد تقاعداً إجبارياً "خليك بالبيت" علماً بأن الكثير منهم لم ينه سنوات
خدمته ولم يتم إعطاؤهم علاواتهم السنوية.. تخيلوا في عهد الديمقراطية الموظفين يجبرون على التقاعد وحتى إن لم يكملوا سنوات الخدمة وهذا التقاعد الإجباري طبعاً يحرمهم من كافة الحقوق والامتيازات والعلاوات.
هؤلاء الموظفون كانوا بالأمس معززين مكرمين، يعملون ويتحصلون على أجورهم وعلاواتهم وترتفع مرتباتهم واليوم في عهد الديمقراطية يأتون يتجرعون مرارة وقسوة الحياة، فهم محرومون من الزيادة في الرواتب ومهمشون في
الإستراتيجية.. برأيكم أيهما أفضل العيش في عهد الديمقراطية أو بدونها؟!.
إذا نظرت إلى واقع دول الخليج العربي ستجدون أن الدول التي لا تعيش الديمقراطية وضعها في ازدهار وأمنها أكثر استقراراً.. إذن أيهما نختار الأمن أم الديمقراطية؟!.
لست من أعداء الديمقراطية أو حتى من الداعين للتراجع عن هذا الخيار ولكني أرى أنه أسيء فعلاً استخدام هذه الكلمة التي لها استحقاقات أدبية وأخلاقية ووطنية، وقبلها دستورية وقانونية وسياسية وما يشهده اليمن اليوم ليس إلا
دليلاً واضحاً على عدم احترام هذا الخيار ونهجه بالطرق الراقية.
فالديمقراطية في بلادنا لم تتحقق بعد، لأن الجميع يتشدق بالديمقراطية وهو يجهل ثقافة الديمقراطية الحقة؟!.
كروان عبد الهادي الشرجبي
عهد الديمغلاطية!! 2188