لم تعد هناك أصنام غير قابلة للرجم، وبالتالي فالمعارضة أيضا قابلة للنقد؛ وليس الانتقاد بحقها غير جائز كما يتذرع المتعاطفن معها، الذين يبدون إشفاقاً عليها حد التباكي، بأنها لا تملك وسيلة بيدها لتسهم في إنقاذ البلاد وتطالب
للشعب بالحرية.
قال محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- فيما معنى الحديث "قاتل الله اليهود كانوا إذا سرق فيهم القوي تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.. ما أشبه الليلة بالبارحة، فالمعارضة حين قال الشيخ عبدالله بن
حسين الأحمر –رحمه الله-" أنا مرشحي علي عبدالله صالح، إنسي تعرفه ولا جني ما تعرفوش" تركوه دون أي هجوم يذكر، وحين قال النائب/ سلطان السامعي أنه مع التعديلات الدستورية أقاموا عليه الدنيا ولم يقعدوها
واتهموه بأنه رجل الصفقات وانه باع نفسه للمؤتمر، مع أن النائب فعل ما يراه صوابا.. يا ساتر من معارضة تتبنى المطالبة بالحرية وفي مقدمتها حرية الكلمة وهي من تهرس "أبوها الكلمة" وتهرس "أبو من ينشدها" في
حال لم تكن تتواءم مع ما في نفسها..
بالأمس القريب اتهم الشيخ حميد الأحمر وهو قيادي بارز في المعارضة صحيفة حديث المدينة بأنها ممولة من نجل الرئيس اليمني -أحمد علي عبدالله صالح- على خلفية تقرير فلكي تناول حركة الأبراج للعام الجاري وذكر أن
برج الرئيس اليمني برج الحمل، الأمر الذي استاء كثير من القراء والوسط الصحفي أيضا، مع أنه ليس عيبا أن يمول نجل رئيس البلاد صحيفة محلية كما تفعل المعارضة وتسخرها غالبا لمصالحها الذاتية على حساب وطن..
إنما الأمر المريب هو إطلاق التهم جزافا دون تحري الحقيقة من قبل قيادات المعارضة..
أنا شخصيا انصدمت مع كثير من قادة المعارضة؛ إذ لا استطيع أن أنشر تصريح صحفي أو كلمة في ندوة لأحدهم حتى يتدخل في السياسة التحريرية ويريدون نقل الخبر وفقاً لمزاجهم ولو أغفلوا شيئاً في كلامهم علينا أن نكمله
بطريقتنا الصحفية، لذا تراني أقترح على نقابة الصحفيين اليمنيين إقامة دورة تدريبية للصحفيين في تحرير تصريحات السياسيين في المعارضة؛ حيث يتعذر على الصحفي تحرير تصريحاتهم بما تمليه عليه مهنته وضميره الصحفي.
أحد قيادات المعارضة في تصريح معه نشر في إحدى المواقع الالكترونية، طلب مني تأجيل نشره إلى يوم حددها بنفسه، كما اشترط تحديد موقع الخبر وفي أي صفحة ولون العنوان وأن أرفق الخبر بصورة له ذات ربطة العنق
الخضراء، وأن أتصل فيه هاتفياً بعد تحرير الخبر لأقرأه عليه كونه يريد أن يطلع على تحريره، ويضيف ما يشاء ويحذف ما يريد؛ فما قاله في التصريح عكس ما يبغى نشره ومع هذا يريدنا أن نغطي مظاهرات تتبناها المعارضة
للمطالبة بحرية الكلمة إلى جانب حزمة من المطالب الأخرى، وبعد تلبية هذا الزخم الغفير من مطالبه أبدا استياءه بعد نشر الخبر بأنه حدث تحوير لكلامه وذلك اعتراض منه لعمل المراجع اللغوي الذي رفع الفاعل ونصب المفعول
كالعادة ليس إلا.. وأخر في خبر تضمن عنوانه اسم قيادي معارض حدث أن أوردت فيه جملة "ما يسمى بالحراك" وفقا للسياسة التحريرية المتبعة ولم أوردها إلا على لساني في سياق تحريري بحت؛ أي لم تورد بين
علامة تنصيص في جملة تحمل ما قاله نصا إلا انه هذا القيادي المعارض طبعا، طلب نشر ردا احتجاجا أنه لم يقل ما يسمى بالحراك الجنوبي.. ترى إذا قال أحد المسئولين العرب مثلا "محمد رسول الله نبي الشرق العظيم
فحرر الصحفي ذلك بأنه أشاد بمحمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم يكون قد أخل بمهنته لأن فقرة "صلى الله عليه وسلم" لم يقلها المسئول وأوردها الصحفي من عنده، وما جدوى عمل الصحفي الذي أهدر من عمره أربع
سنوات دراسة في تخصصه وضعفها في التطبيق بالميدان والصحف، طالما القيادي المعارض هو رئيس التحرير الديكتاتوري الذي يحيل لمحرريه تفريغ التصريحات ويتولها تحريرها بأقلامهم دون أن يبذل جهداً في كتاباتها..
تلك أساليب تضيق من حرية الكلمة وتضاهي قمعها حد التطابق، الأمر الذي يكشف عما تعانيه الصحافة اليمنية الأهلية والمستقلة من القوى المختلفة بالبلاد، ولاسيما قادة المعارضة، أما الصحف الحزبية فحدث ولا حرج، فقد ساقوها
إلى حظيرتهم الدكتاتورية وتحكموا بها وبمستحقات العاملين بها، بل أحالوا العمل الصحفي في صحفهم إلى عمل طوعي ويهتفون ضد البطالة وانتهاك حقوق الآخرين التي لم يعطوها لأصحابها العاملين في صحفهم..
ولعل قادة المعارضة يروجون بطريقة غير مباشرة للسلطة ولفخامة رئيس الجمهورية تحديدا وان كانوا يتهمونه بضيق الصدر وحاشا أن يكونوا صادقين مقارنة بدكتاتوريتهم، ما يفسر القاعدة الشعبية لدى الحاكم وذلك من خلال
أساليبهم تلك المستهدفة للكلمة.. فماذا لو وصلت المعارضة إلى سدة الحكم بهكذا عقلية وأفكار بالية كيف سيصير حال المواطن والمؤسسات الحقوقية والمدنية ومن ينشدون حرية التعبير والصحافة، اللهم الطف بالبلاد وهيئ لها
قيادة واعية أو قد الحاصل "أخرج" كما يقال، فلا أمل بالمعارضة كبديل للسلطة في البلاد.
لست متحاملا على المعارضة بقدر ما أدفعها لتقييم نفسها وتصحيح أخطائها.. فلربما يأتي يوما تكون في السلطة والشعب لم يعد يحتمل مزيدا من دكتاتورية الأفكار البالية والتصرفات الأنانية في سلوكيات تقليدية قد أثقلت
كاهله..
عبد الحافظ الصمدي
حين تصبح المعارضة رئيس التحرير في صحافتنا.. 2334