البطالة، الاستبداد، والفقر، وما يدور تحتها من جوع وحرمان ومرض وانعدام فرص شكلت في معظمها الذرائع لقيام الثورات العربية ومرتكزات ومبادئ هذه الثورات وما حملته من شعارات براقة وأحلام وردية رفعها متزعمو الثورات دغدغت مشاعر الجماهير وشهدتها عشرات السنون وتركت الشعوب تعيش مع الأمل حتى وإن اختفت أو توارت ملامح عهد جديد أو مبشرات تغيير في نفسيات وسيكولوجيات من يتبوأون المناصب في عالمنا العربي عن سابقيهم الذين اشتعلت الثورات لتغيرهم وتزيلهم وتلعنهم مع أيام حكمهم عندما ظل الحال لا يختلف عن بعضه ولا يتعدى مقولة ما أشبه الليلة بالبارحة وقد يكون الحاضر في بعض الأقطار أسوأ من الماضي بمئات المرات وأشد مرارة تجعل من يعيش فيها يردد كلما مر يوم بكيت منه ولما عشت الذي بعده بكيت عليه.
تغيرت أوجه وتبدل الأشخاص ولكنها لم تتغير أو تتبدل العقليات والسلوكيات والنزوات وحب وعبادة الذات وإن لم يقولونها بفصيح العبارة فهي سلوكيات وقناعات فرعون عندما قال "ما علمت لكم من إله غيري" يتجاوز الأمر أحياناً حدود المعقول والمنطق عندما تسمع زعيم أول جماهيرية في العالم كما يطلق على نفسه حيث لا يكتفي بالوصاية على شعبه الذي عاش في ظل حكمه ما يشبه الجحيم.. قتل وترويع وتجويع عندما بدد ثرواته على متمردي العالم في مرضى البحث عن الوحدة مع العالم بينما يعيش مرض التوحد في أسوأ حالاته وينصح وينتقد شعب بملايينه ويخطئهم على فعلتهم في انتفاضتهم على دكتاتور هو نسخة منه.
بدل أن يستفيق وهو في أرذل العمر من سباته ويصحو من عنجهيته وهمجيته ونظرياته مع كتابه الأخضر بلونه الأخضر ومضمونه الأحمر.
الثورة والتثوير أوصلت الشباب مرحلة اليأس والإحباط والقنوط اقتص شريطها "محمد البوعزيزي" واضعاً لها حجر الأساس بحسده المحترق لتشتعل بعده الأجساد في كثير من البلدان من الجزائر إلى مصر إلى الأردن إلى اليمن.
وإن كانت شعلة "البوعزيزي" أشعلت وطناً فإن أجساد الآخرين تسعى للوصول إلى نفس النتائج فهل يغلق الآخرون آذانهم ويغمضون أعينهم ويسدون أنوفهم ويرددون "كل شيء على ما يرام" ويواصلون الكذب على أنفسهم وعلى الآخرين؟.. إنها رسالة في غاية الجدية والوضوح مفادها: إنه يجب الإسراع في تغيير كثير من الأشياء بسرعة زمنية قياسية.. فقد بدأت مرحلة لا يمكنها أن تتوقف بالخداع والمماطلة والوعود الكاذبة تتساوى مع جدية من يحرقون أجسادهم ولا يهددون بحرقها فقط.
علي الربيعي
ثورة اشتعال الأجساد إلى أين؟ 1881