القمة الاقتصادية المنعقدة في شرم الشيخ والتي تضم بين جنباتها رؤساء وقادة ومسئولين عرب لابد لها أن تحدث تغييراً في أنظمتها وخاصة مايهم شعوبها من مجالات التنمية والقضاء على الفقر والبطالة اللذين كادا أن يفتكا
بالمجتمعات العربية.. لأجل أن تعود قمة شرم الشيخ بقياداتها إلى خدمة شعوبهم وإغلاق الطريق على المنادين بالخروج على الأنظمة وليأخذوا العبرة والدرس من تونس التي توجد بها ومن خلالها مفارقات لتكون المثل..
في تونس كان وضع الاقتصاد جيداً، وقد حقق نمواً أفضل بكثير من دول أخرى في المنطقة، فهو اقتصاد منتج قائم على الصادرات التي تناهز الـ20 بليون دولار سنوياً.
وكان ممكناً أن تقدم إمكاناته نتائج أفضل بكثير مما هو مسجل حالياً، إلا أن ما أعاق انعكاس النمو الاقتصادي على الناس الذين خرجوا ثائرين يتمثل بغياب الحريات والديمقراطية وتفشي الرشوة والفساد.
والنقطة المهمة في المسألة التونسية أن الحالة الاقتصادية في ظل سوء توزيع مكتسبات التنمية، التي استفادت منها شرائح محددة، لم تستطع أن تجمل صورة الاقتصادي في عيون التونسيين، ولم تمنع كثيرين من الخروج للشارع
والثورة احتجاجا على إحكام قبضة البوليس والأمن على الناس وحرياتهم وتزايد معدلات البطالة بين فئات الشباب.
وما حدث في تونس جاء في ظل حكم بوليسي ظالم ومستبد، حرم الناس لسنوات من التعبير عن أنفسهم، ولا أدري كيف سيكون الحال في دول تتحالف فيها الظروف السيئة سياسيا واقتصاديا ضد الناس وتحرمهم حق العيش
الكريم.
لربما لم يخطر في بال أحد أن نشهد في هذه الحقبة التي تظهر فيها سطوة الأجهزة الأمنية في دولة عربية ما حدث في تونس، وأظن أن الشعوب العربية وصلت من الإحباط والاحتقان ما يحرمها حتى من الحلم بهكذا مشهد، إلا أن
"البوعزيزي" وإخوته أصروا أن يهدوا للعالم هدية ثمينة في هذا الزمن الصعب الذي يفتقد فيه الكثيرون الأمل بالتغيير، ليبثوا رسائل تؤكد أن الشعوب لم تمت بعد نتيجة الجوع والفقر والعوز.
في دول أخرى المشهد يبدو أكثر تعقيدا، فالناس فيها يعانون الفاقة الاقتصادية وغياب الإصلاح وتفشي الفساد، ما يفاقم الخطر في هذه الدول خوفا من بلوغ الناس في مرحلة ما حد الإشباع، وضعف القدرة على تحمل المزيد من
غياب العدالة، والظلم والتخلف السياسي، في وقت صار مستحيلا في ظل التطور التكنولوجي إخفاء الحقائق والعيش في جزر معزولة.
والرسائل القادمة عبر القارة الإفريقية تشير إلى أن استمرار الحال على ما هو عليه من تعطل مسيرة الإصلاح الحقيقي في العالم العربي لم يعد ممكنا، وإغفال الاستحقاق الجديد لن يجر خلفه إلا الدمار، وأن الحل الوحيد لفتح
قنوات تفاهم حقيقية مع الشعوب يكمن في وضع لبنات أساسية تكون "مداميك" للتغيير الذي يصب في صالح الشعوب وقيادتها.
ومن تونس نفهم أيضا أن تدجين الناس وتهميشهم لم يعد متاحا، لاسيما وأن الناس يدركون جيدا أنهم الخاسر الوحيد في المعادلة القائمة وأن الرابح الأكبر هم أصحاب الأجندات والمتنفذون الذين لا أظنهم قلقين أصلا على مستقبل
المجتمعات.
الظروف الاقتصادية والسياسية تتشابه بين كثير من الدول العربية مهما زادت ثرواتها أو نقصت، إذ نجد في دول نفطية فوائض مالية بالبلايين وفقراء ومعوزين، وفي دول أخرى محدودة الموارد فساد يستشري ويلتهم فرصة ممكنة
لعيش كريم، ناهيك عن حالة إفلاس الشعوب حيال رغبة حكوماتهم في المضي في الإصلاح السياسي المطلوب.
في تونس كان الاقتصاد أفضل من السياسة، لكن الوضع لم يستمر للأبد، فكيف سيكون الحال في دول تتحالف فيها السياسة والاقتصاد ضد الناس؟
فهد الباهري
قمة شرم الشيخ بين تحالف السياسة ... وفرض الإقتصاد 1774