في وقت تتجه فيه أنظار العقلاء والمجربين في العالم إلى التكتل والبحث في العناصر المشتركة بين الشعوب ذات اللغات المختلفة والقوميات المختلفة إلى التقارب والتوحد، في هذا الوقت تتجه الأمور في الوطن العربي إلى العكس من ذلك، تتجه إلى التبعثر والبلقنة وإلى البحث عن مداخل وهمية لمزيد من التفكيك والقطيعة في أقطار تعاني من آثار التفكيك السابق والتجزئة المفروضة . ومنذ وقت ليس بالقصير والعالم كله ينتظر ميلاد دولة إفريقية صغيرة تنسلخ من كيان كبير هو جمهورية السودان، هذا البلد الذي يشقه نهران كبيران ومن حولهما أراض شاسعة واسعة كان الحكماء والعقلاء يصفونها بسلة العرب الغذائية وحين بدأت السلة في التمزق قبل أن تستوي وتمتلئ بالثمار الموعودة لم يرتفع صوت النظام العربي ولم يبد - حتى أولئك الذين يهمهم الأمر - أدنى اهتمام .
وما يبعث على القلق أن الإعلام العربي المنقسم على نفسه يتناول الحدث المريع من زاوية بالغة الخطأ ناقلاً كل ما تقوله الصحافة الأوروبية والأمريكية وما تنسبه أو تتصوره من آثام النظام السوداني متناسية أن موضوع تفتيت الأقطار العربية لا يتم بسبب الجرائم والأخطاء التي يرتكبها هذا النظام أو ذاك، وإنما لهدف أكبر وضمن استراتيجية مرسومة لتمزيق الوطن لعربي إلى دويلات متناحرة وغير قادرة على الدفاع عن نفسها ضد موجات قادمة ومخططات تقسيم وتوزيع تتضاءل أمامها مخططات “سايس بيكو” 1917م، المعروفة والتي ما تزال الأمة العربية تعاني من آثارها المدمرة حتى الآن، والتي قوبلت - للأسف - من الأنظمة ولا تزال تقابل بترحاب عجيب لأنها تحتفظ للبعض بمميزات مؤقتة قابلة للإندثار في وقت قصير .
إن خلل التفكك والتفكيك الذي بدأ يضرب هنا وهناك لا يلام عليه النظام المعني، فحسب وإنما النظام العربي بأكمله، فهذا النظام العربي، النائم أو المشارك بشكل أو بآخر في ما حدث ويحدث هو الذي يلام ويدان، وموقفه التاريخي من قضية فلسطين التي كانت بداية التفتت الفاجع لا يختلف عن موقفه من احتلال العراق والاعتراف المتتابع بقبول تجزئته العرقية والطائفية والمذهبية، ولو قد اتخذ النظام العربي موقفاً موحداً من خلال العراق لما حدث ما حدث، ولو يقف الآن موقفاً موحداً من تفتيت العراق فلن يحدث مهما كانت القوى الساعية إلى ذلك والعاملة ليل نهار لإخراج هذا القطر العربي من دائرة العروبة ومن اهتمامه بالشأن العربي وفي المقدمة قضيته الأولى فلسطين التي أبلى فيها هذا القطر العربي بلاءً حسناً .
إن دولة الثلاثة ملايين التي تقام الآن في جنوب السودان بمساعدة أمريكية وإغراءات أمريكية، لن تكون إلا البداية وستكون دولة أو دويلة تابعة للولايات المتحدة، وبالتالي دولة تابعة للكيان الصهيوني وستكون السوط المرعب الذي يضرب ظهر مصر العربية لتفيق من سباتها الذي بدأ مع اتفاقيات “كامب ديفيد” واتخاذها موقف الحياد من القضايا المصيرية التي تخص مصر وتمسك بخناقها كما لا يحدث مع أي قطر عربي آخر، والتاريخ الطويل مع الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة يؤكد بالحقائق الثابتة أن مصلحتهم لا تتحقق إلا بإضعاف مصر وتحجيم دورها وإشغالها من الداخل بما يجعلها لا تحرك ساكناً تجاه ما يتهدد الأمة من أخطار وما ينتظرها من تمزيق وتهويد .
نقلاً عن "دار الخليج" الإماراتية
عبد العزيز المقالح
سلة الغذاء العربي تتمزق 1837