(( بعد أن تطرقنا في مقالنا السابق عن إدارة سوق الأدوية في اليمن والتخبط التخطيطي والسياسة العشوائية وعلاقتها البحتة برؤوس الأموال من مستوردي ومروجي الأدوية في اليمن وارتباط السلطة مع المال .
والكارثة الحقيقية على المريض اليمني والذي يعتبر أن الدواء يأتي كمرتبة ثانية بعد الأكل ضمن الاهتمام اليومي والذي يجاهد العالم أجمع ليوفر به ما يسد رمقه ويشفي علته .
سأتطرق وبشكل موجز عن تجارة الأدوية ومروجيها ،فالأدوية المتوفرة في الأسواق بشكل عام إما مصنعة في الشركة الأم ( المكتشفة للعقار ) أو مصنعة ضمن شركات أخرى أصبح لها الحق في تصنيع نفس المادة من الدواء مع الالتزام التام بنفس التركيبة والإضافات وفق دستور يحكم هذا النوع من الصناعات يطلق علية دستور الأدوية العالمي (فارما كوبيا ) ومن هذا يظهر لنا أن سعر الشركة الأم أغلى من بقية الشركات الأخرى حتى وإن كانت عالمية ومن هنا تأتي مسألة التنافس بين الشركات (تنافس في الجودة وتنافس في التكلفة ) ولأن يمننا الحبيب جزء لا يتجزأ ،من العالم فهي تخضع لهذه المتغيرات والتطورات والتعاملات ولأن اليمن ذات كثافة سكانية مرتفعة نسبيا ونسبة انتشار الأمراض فيها مرتفع نسبيا ،فهي بالتأكيد أصبحت سوقا كبيرا لشركات الأدوية مع اختلاف حجمها ،حيث تتسابق شركات الأدوية لعرض منتجاتها في السوق اليمنية من خلال وكلاء وتجار يمنيين هم حلقة الوصل بين المصنعين والمستهلكين , ولأن حياة الناس وصحتهم ورفاهيتهم تقع ضمن مسئولية وزارة الصحة والسكان بشكل أساسي في هذا الجانب ولأن حديثنا متركز على الدواء ،فسنتكلم على تجار الأدوية وسياسة الجهة المختصة بهذا الجانب في الوزارة وهي الهيئة العليا للأدوية ،كامتداد طبيعي لما ذكرناه في المقال السابق عن السياسات الدوائية .
فالتاجر عندما يريد أن يسجل شركة دواء لينافس بها في اليمن أو حتى دواء معين فإنه يضطر للذهاب إلى الهيئة العليا للأدوية ويخضع لعدة شروط والتزامات تعرضها الهيئة على التاجر لكي ينفذها ،ليتسنى له المضي قدما في تجارته حيث والقارئ لهذه الشروط والالتزامات الموضوعة في أجندة الهيئة العليا للأدوية يتفاءل خيرا لمستقبل أفضل في هذا الجانب ،لأنها وبكل مصداقية رائعة ولكنها لا تعبر إطلاقا عما يحصل في كواليس المعاملات الحقيقية وهذا ما نجده في سوق الأدوية حيث والعشوائية في تسجيل الشركات لدى الهيئة وأيضا تسجيل الدواء دون دراسات مسبقة عن حاجة السوق لهذا العقار أو ذاك , نجد أن الصنف الدوائي لديه بدلاء بدون حدود منها عالمي ومنها عربي ومنها محلي والأغلبية هندي منها الفعال ومنها عبارة عن أشكال أدوية دون فعالية مستغلين بذلك حالة الفرد اليمني ذوي الدخل المحدود جدا ،حيث يتجه هذا المريض للأرخص ثمنا والذي سنتكلم عن هذا الجانب في الجزء الأخير من تحليلنا لسوق الدواء , فعندما نجد أن السوق اليمنية تحتوي أكثر من ( 500شركة دواء ) ،مسجلة رغم أن تقاريرهم الرسمية تقول (300 شركة) مقارنة بالسوق السعودية وحتى الخليجية والتي تحتوي أقل من واحد على عشرة مما يحتويه السوق اليمنية, وهذا يعود بالسلبية للصناعات الدوائية المحلية من جانب ومن جانب آخر لتشتت المريض بين هذا وذاك واهتزاز ثقته تارة بالطبيب المعالج وتارة أخرى بالسوق الدوائية مما يصاب بأمراض نفسية مرجعها للشك الذي سيصاب به من أي دواء يقع تحت يديه .
ولعل الزائر للهيئة العليا للأدوية يجد العجب العجاب في أزقتها ومكاتبها حيث نجد أنه كل يوم بل كل لحظة يتم تسجيل صنف وشركة دون وعي أو إدراك أو كما أسلفنا دراسات خاصة بالسوق واحتياجاتها , فلماذا لا يكون هناك دراسة للسوق تعتمد على احتياج السوق من هذا الصنف من عدمه وأيضا توافر شركات يمنية تصنع هذا الصنف من عدمها ووضع كل هذه الأفكار في وعاء واحد ثم النظر إلى أهمية تسجيل هذه الشركة أو هذا الصنف من عدمها وما أهمية تسجيلها للسوق والاقتصاد اليمني بعيدا عن الأهمية الذاتية التي تدر بالدخل للقائمين على الهيئة وبعيدا عن المحسوبية للتاجر الفلاني أو الجهة العلانية وبعيدا عن اللامبالاة التي تصيب بعض القائمين على الهيئة أو الوزارة من خلال الإدراك العام والشامل والواسع لما يدار في مكاتب هم مسئولين عنها وترك الحبال كاملة على غاربها وحتى أن التوقيع النهائي والسماح لدخول الصنف يمر من تحت أيديهم وأقدامهم دون فهم لماذا أو كيف أو متى ؟؟.
عشوائية لا مثيل لها في بلدان الله الأخرى , من أكثر الدول عالميا مسجل لديها شركات أدوية وأصناف أدوية , من أكثر بلدان العالم سوق مفتوحة من دون ضبط أو تحكم أو تقييد , من أكثر دول العالم تعج أسواقها بالكثير الكثير من المزورة والمهربة والمنتهية والمضروبة, ماذا نقول أكثر من هذا عندما يكون مهرب الدواء أو مزوريه من أكبر التجار بل لا يلقى المحاربة والمحاسبة سواء من أجهزة الدولة المعنية بهذا الأمر كوزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية أو حتى التنسيق مع وزارة الداخلية والقضائية إلا فيما ندر , هذه حالات وعينات بسيطة لحال السوق الدوائية والتي أظن وبعض سوء الظن من الفطن ،أن القائمين على هذا الجانب في الوزارة والهيئة يد واحدة ،فكر واحد ،أهداف واحدة المصالح الشخصية الذاتية , وتلخيصا لهذه النظرة لسوق الدواء وعشوائية الإدارة هي سوق اختلط فيها الحابل بالنابل والسيئ مع الحسن والإيجابيات ذابت في سلبياتها والمحاسن تلاشت مع أخطائها حيث أن الضبط غاب عنها والقانون ليس له كلمة إلا على التجار البسطاء كالصيدليات , لأن أصحاب الصيدليات يقام عليهم القانون عندما يجد عندهم أدوية مهربة ومزورة ومن يجلب هذه الأدوية يترك بعيدا ،بل أحيانا يجد المساندة والمساعدة فيما إذا وقع في أيدي الدولة , أدوية السوق اليمنية كثيرة جدا مما أثرت بشكل كبير ورهيب على الصناعات المحلية , الأصناف الهندية والجنوب أسيوية كثيرة جدا وفعاليتها بسيطة جدا وتسابق المرضى إليها كبير جدا لأن أسعارها رخيصة جدا .
كل هذا والوزارة ممثلة في جوانبها التنفيذية والمراقبة والمحاسبة غائبة تماما أو قد تكون مقيدة بأوامر عليا في الوزارة وربما سابحة في ماء الفساد الذي يصب من سطوح الوزارة ويوسخ شوارعنا , كلها فرضيات واحتمالات تحتمل الصواب ،لأن الخطأ غير وارد في ظل واقع دوائي أليم للغاية , ومع كل هذه الآلام نجد جزء ليس بالقليل من أطبائنا الأعزاء والذين يساهمون في هذه المآسي من خلال وصفهم للمراجعين من المرضى الدواء دون مراعاة عدة جوانب هامة للمرضى وهذا ما سنتطرق إليه إن شاء الله في الجزء الثالث من نظرتنا وتحليلنا العام عن سوق الدواء الأليم في اليمن.
yusef_alhadree@hotmail.com
يوسف الحاضري
نظرة عامه عن إدارة سوق الأدوية في اليمن. (2) الجزء الثاني:- انفتاح السوق اليمنية لتجار الأدوية 3964