كثيرة هي الظواهر السيئة والعادات القبيحة في العمل السياسي والتنافس الحزبي ، ومن أبرزها التسرع في إطلاق الأحكام والتعبير عن الآراء بدون علم ولا معرفة ولا دليل، وإنما عن تقليد وتبعية ومحاكاة للقادة ومسايرة للقيادة.
ومن ذلك على سبيل المثال قضية التعديلات الدستورية المعروضة أمام مجلس النواب، حيث رأينا وسمعنا العديد من السياسيين والمحللين والقيادات الحزبية في السلطة والمعارضة، سواء بالتأييد والموافقة والتشجيع أو بالرفض
والاستنكار والتشنيع، وفي كلا الحالتين وجدنا الغالب على هؤلاء وأولئك أنهم لم يطلعوا على نصوص ومضامين التعديلات، وإن مواقفهم وآرائهم كانت مزاجية وعاطفية، بعيدة عن الموضوعية والمصداقية، لدرجة أن أحدهم وهو
أستاذ للعلوم السياسية تحدث لقناة الجزيرة رافضاً ومستنكراً وساخطاً على التعديلات الدستورية وفي ثنايا الحوار ذكر هذا "الاكاديمي" "والمحلل السياسي" أن التعديلات "سرية" وأن مناقشتها تمت بسرية، مع أنها كانت
علنية ومنشورة وتحديداً في ذلك اليوم نشرتها وسائل الإعلام الرسمية ونقلتها الوسائل الأخرى، وللأسف أن هذا الشخص مثال ونموذج لغالبية السياسيين الذين يريدون تسجيل نقطة ضد الطرف الآخر بالحق والباطل والمشكلة أن
القواعد والأتباع والأعضاء يتلقون ما يصدر عن القيادات والرموز والمتحدثين بالقبول والترحيب والموافقة والتأييد.
فبينما إعلام السلطة يصور الأمر ويقدم القضية على أنها إنجاز كبير ونصر عظيم وأن إقرار التعديلات يعتبراً إصلاحاً سياسياً ودستورياً هاماً، وفي المقابل ذهب إعلام المعارضة إلى أن هذه التعديلات انقلاب على الديمقراطية وكفر
بالثورة والجمهورية، والحق أن المسألة ليست بهذه الصورة الوردية والفرائحية ولا بتلك الصورة السوداوية والجنائزية، والموقف الصحيح والصائب هو الذي يقوم على أساس قراءة نصوص وفقرات ومواد التعديلات ومناقشتها
على أسس موضوعية وكلية وبكل نزاهة ومصداقية، وعند النظر والتأمل نجد أن التعديلات تتمحور في المجالات التالية:
أولاً: نظام الغرفتين "مجلس الأمة" الذي يتكون من مجلسي النواب والشورى، واختصاصات المجلسين، أو منفردين، مع انتخاب 75% من أعضاء مجلس الشورى.
ثانياً: اعتماد "كوتا" نسائية، بإضافة "44" مقعداً لمجلس النواب، حيث تم إضافة فقرة على النحو التالي:
"يحدد 44 مقعداً للمرأة ويبين القانون طريقة الترشيح والانتخاب مع احتفاظ المرأة بكامل حقوقها الانتخابية في جميع الدوائر".
ثالثاً: اعتماد نظام الحكم المحلي، وتوسيع دائرة اتخاذ القرار وتسمية الحكم المحلي واسع الصلاحيات بدلاً عن أجهزة السلطة المحلية، مع مراعاة أن اليمن دولة بسيطة موحدة، بحيث تخضع الوحدات المحلية للرقابة المركزية.
رابعاً: قضية مدة رئيس الجمهورية وتخفيضها من سبع سنوات إلى خمس وإلغاء الدورتين والفترتين الموجودة في الدستور، باعتبار أن ذلك ـ حسب مذكرة التعديلات ـ قفز على الواقع في بلد مثل اليمن.
وهذه المجالات والمحاور الأربعة يتطلب تعديل كل منها، إجراء تعديلات في مواد كثيرة وفقرات عديدة، المجال الأول المتمثل باعتماد نظام الغرفتين يتطلب ويلزم منه تعديل قرابة "56" مادة، والكوتا النسائية تتطلب تعديل مادة
واحدة وهي المادة "63"، أما قضية الحكم المحلي فإنها تتطلب تعديل خمس مواد وإضافة خمس مواد جديدة، وبخصوص مدة رئيس الجمهورية، فالمطلوب تعديل المادة "112" والتي ينعكس تعديلها على المادة
"161" من الدستور، وإضافة مادتين جديدتين برقم "109، 124".
ومن المهم الإشارة إلى أن هذه التعديلات باستثناء مدة رئيس الجمهورية، كانت المعارضة قد طالبت بها وسعت إلى إقرارها، واعتبرت مثل هذه التعديلات من لوازم الإصلاح السياسي الشامل، وأحزاب المشترك لا يمكنها رفض كل
التعديلات المطروحة، وإنما ترفض تعديل مدة رئيس الجمهورية وإلغاء الدورتين لمنصب الرئاسة، أما نظام الغرفتين فإن وثيقة الإنقاذ الصادرة عن المشترك تدعو إلى تكوين السلطة التشريعية على أساس نظام المجلسين "النواب
والشورى"، أما الحكم المحلي واسع الصلاحيات، فهو من أهم مطالب المشترك ومن ضمن الخيارات المطروحة في وثيقة المشترك الأخذ بالحكم المحلي حسب وثيقة العهد والاتفاق أو الفيدرالية أو الحكم المحلي واسع
الصلاحيات، وبالنسبة لقضية الكوتا النسائية فإن المشترك أكثر حماسة ودهشة من المؤتمر، عبر الدعوة للأخذ بالقائمة النسبية بهدف وصول نسبة من النساء إلى البرلمان لا تقل عن "15%".
وأما مسائل الخلاف بين المؤتمر والمشترك في التعديلات الدستورية، فإنها تتركز حول فترة رئيس الجمهورية، التي يطرحها المؤتمر ويرفضها المشترك، وقضية النظام البرلماني والنظام النسبي التي يطرحها المشترك ويرفضها
المؤتمر.
وقد يسأل سائل: ما هو رأي وموقف كاتب هذه السطور من هذه التعديلات؟.
ورداً على ذلك أقول: إن إصلاح الواقع وتصحيح الاختلالات وتحسين الأوضاع المعيشية، يتطلب القيام بإصلاحات حقيقية وتطبيق الدستور والقوانين الحالية، أما التعديلات فإنها في مثل هذه الظروف والأوضاع لا تسمن ولا
تغني من جوع، وإنما للاستهلاك الإعلامي، والكيد السياسي، هذا بصورة إجمالية، أما بخصوص مضامين ومواد التعديلات المطروحة، فإن اعتماد نظام الغرفتين والحكم المحلي واسع الصلاحيات، فإن اليمن كدولة بسيطة لا تحتاج
إلى هذه الإصلاحات، وأن نظام المجلسين والغرفتين التشريعيتين يتناسب مع الدول المركبة والأنظمة الفيدرالية والحكم المحلي واسع الصلاحيات هو في الحقيقة تطبيق للفيدرالية، أما الكوتا النسائية فإنها مخالفة للدستور والقوانين،
باعتبارها تمييز ضد المرأة وعدم المساواة، أما بخصوص مدة رئيس الجمهورية والفترتين فإنه تعديل تراجعي واستبدال الأفضل بالأسوأ، وأرى أن تبقى مدة رئيس الجمهورية سبع سنوات أو حتى ثمان ولدورتين فقط.
هذا رأيي وموقفي من التعديلات الدستورية بصورة مختصرة وسريعة، وسوف أكتبه بصورة تفصيلية وتشريحية وبكل صدق وموضوعية، في صحيفة الشموع الأسبوعية بمشيئة الله عز وجل.
عبد الفتاح البتول
قراءة أولية في التعديلات الدستورية 2196