على عكس ما كان يتوقعه الكثير ..ليس من المشرق العربي حيث التخمة والذهب الأسود وناطحات السحب والجزر الصناعية والانفتاح للعولمة وتقنية المعلومات وكل جديد في هذا العالم الواسع ..
وليس أيضاً من الوسط حيث تعثر مشروع السلام وتقسيم السودان وقضية شهود لبنان الزور وحصار غزة المستمر وخلاف الحاكم والمعارضة اليمنية حول الانتخابات مع تجاهل الكثير من القضايا الهامة التي يواجهها اليمن السعيد
،وليس أيضاً من الجنوب حيث عشرون عاماً من الحرب في الصومال والقرصنة البحرية ،وليس من الشمال حيث تمارس حكومة المالكي مهامها بعد طول انتظار في وطن أصبح مستنقع للتفجيرات والأعمال الإرهابية والتصفيات
الطائفية والقتل لكل القيم والأخلاق ..ولكن على العكس تماماً جاءت ثورة الجياع ..ذلك الكابوس المؤرق لكافة القادة والأنظمة العربية .. الذي كانت خلال السنوات الماضية قد ظنت أنها قد تحررت منه إلى مالا نهاية بعد
تناولها العديد من الحقن والمضادات والوسائل التي أوهمها الغرب أنها قادرة على القضاء على ذلك الكابوس الذي غالباً ما يؤرق القادة العرب ما دام باقين على الكراسي ..خاصة بعد المحاولة في طمس كافة القيم والهوية
والعربية ومحاربة كل صفات الإباء والكرامة والعزة والشجاعة التي يتمتع بها الإنسان العربي ..
أو استغلال تلك الأصوات الجائعة عبر منظمات تجريبية تمارس نشاطاتها من الداخل مقابل توفير لها بعض فتات الخبز ،لكن ومع بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين ظهرت على غير المتوقع ثورة الجياع في بلاد المغرب
العربي ، ومن سيدي يوزع بتونس الخضراء إلى أرض المغرب ،وهو ما لم تكن تتوقعه الحكومات هنالك، لذا سارعت لمحاولة إخمادها ليس بقوة الحديد والنار والرصاص المطاطي والهراوات كما هو معهود ..بل بسرعة اتخاذ
بعض الإجراءات الرامية لتحسين معيشة الثأئرين كاعتماد وتنفيذ مشاريع إنتاجية وخلق فرص عمل وغيرها ..طبعاً أي مشاكل أخرى يعاني منها بلد ما -وهنا أقصد مشاكل داخلية- مثل الأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية
وغيرها ممكن تلافيها وإيجاد حلول ناجحة لها ..لكن عندما يتعلق الأمر بالجوع وخلو البطون من الأكل ..فإن الأمر يختلف تماماً ..قد يواجه الإنسان المرض ،البرد ،الحر ،الفوضى وغيرها ..لكنه لا يستطيع مواجهة
الجوع أبداً ..خاصة عندما يشاهد غيره يعبث في كل شيء دون وجه حق ويحصل على كل شيء في دون وجه حق ..عندما يشاهد ثروة بلاده وخيراتها تذهب إلى جيوب وأرصدة واعتمادات من لا يستحقونها ..ولم يكن
بإمكانهم الحصول عليها لولا المحاباة والمجاملة والوساطات والمحسوبية ..دون مراعاة للكفاءة والخبرة والذكاء والجهد ..لذا نجد أن مثل هذه الثورات لا يقوم بها إلا الشرفاء الوطنيين الصادقين في تعبيرهم ،وهم بمظاهراتهم
تلك يضيعوا شرف النضال والتعبير عن الحق المسلوب من البطون ،وغالباً ماتستمر مثل تلك الثورات ويكتب لها النجاح ،ومن وجهة نظري تعد ثورة الـ26 م سبتمبر 1962م إحدى ثورات الجياع التي قاست في ذلك الوقت
ومع ذلك استمرت لعشرات السنين ضد الحكم الكهنوتي والطغاة حتى كتب لها النجاح ،تعد ثورة الجياع هي الكابوس الحقيقي للحاكم والحكومة لإنها تعبير صادق لا تشوبها أي أهداف أو أطماع أخرى ولا تقف ورائها جهات أو
قوى خارجية أ وداخلية .. ولا يهمها نوع الحكم ومؤسساته بقدر ما تهمها العدالة في توزيع خير البلاد ومساواة العامة في الحقوق والواجبات ..
وتعدها الأنظمة والحكومات كابوساً لأنها تعريها وتكشف عيوبها من الداخل دون همز أو لمز ..ولا تقام هذه الثورات إلا عندما ينتشر الفساد الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي داخل البلاد وتزداد الهوة بين الفاسدين والكادحين
اتساعاً ..ويتحول المجتمع إلى طبقتين برجوازية وطبقة تحت خط الفقر، حينها تثأر الطبقة الكادحة على الطبقة البرجوازية بثورة شعبية لا تهدأ حتى تسقطها في براثن فسادها المشين .
عبدالوارث ألنجري
القادم من المغرب "ثورة الجياع" 2463