الخطاب، هنا ليس موجهاً إلى فئة أو جماعة أو حزب أو حكومة في الوطن العربي، وإنما هو موجّه إلى كل إنسان على الأرض العربية يحرص على حاضره ومستقبل أبنائه وأحفاده لمواجهة الفتنة القائمة على استراتيجية عدوانية تهدف إلى مزيد من تفكيك الوطن العربي وتمزيق النسيج الوطني القومي، ليس على مستوى الوطن الكبير فحسب، وإنما على مستوى كل قطر على حدة مهما كان حجم هذا القطر أو تعداد مواطنيه، خدمة للكيان الصهيوني الذي يرى نفسه قزماً وسط الكيانات العربية . ويرى سادته أن بقاءه يعتمد على النجاح في تفكيك الوطن العربي وتحويله إلى فسيسفاء طائفية ومذهبية متحاربة يخاف بعضها بعضاً وتنهدم معها وفيها كل معاني التواصل الأخوي الذي استمر أربعة عشر قرناً .
وما حدث ويحدث في مصر العربية الآن، وما حدث ويحدث في أكثر من مكان في الوطن العربي ليس سوى التطبيق العملي لتلك الاستراتيجية اللعينة التي لا يزال البعض ينظر إليها بقدر من اللامبالاة واللا اهتمام . ومن المؤكد أن القوى المعادية لوحدة الوطن العربي العاملة على هدم الاستقرار داخل أقطاره قد أوكلت إلى الكيان الصهيوني مهمة القيام بعمليات زعزعة الأمن واستهداف بعض الشرائح والمكونات الوطنية لتحطيم الثقة وزرع الشكوك بين هذه المكونات ليس بين مسلمين ومسيحيين فحسب، وإنما بين السنة والشيعة أيضاً، وبين الأعراق القومية المختلفة التي تعايشت عبر القرون، وكانت في حال من التضامن والانسجام، واعتبار الوطن بيتاً يأوي إليه الجميع ويعزز من أواصر الأخوة والولاء .
ولا بد في غمرة هذه الفتنة الصارخة أن يتذكر جميع أبناء الأمة الدور الذي لعبته العصابات الصهيونية قبل نكبة 1948 في إرغام الجماعات اليهودية التي كانت تعيش بأمان وتتمتع بحالة من الثراء لا يتمتع بمثله غيرهم على الرحيل إلى فلسطين . وفي مذكرات واعترافات رؤساء المنظمات الصهيونية الإرهابية ما يثبت أنهم كانوا يرمون القنابل في الأحياء اليهودية والكنائس في بغداد وفي الإسكندرية وفي غيرهما من المدن العراقية والمصرية لتخويفهم من البقاء في هذه المدن . والآن جاء الدور على المواطنين المسيحيين العرب لإخافتهم وإرغامهم على الهجرة أو إظهارهم كفئة غير مرغوب بها في وطنها، وفي الوقت ذاته إيجاد حالة من الاستنكار والتعاطف الدولي والمسيحي تجاه ما يحدث لهم وما يتعرضون له من ترويع واضطهاد مستمر . ولم يعد هذا الأمر غامضاً ولا مصدر الخطر على الوحدة الوطنية في مصر مجهولاً .
إن بصمات الموساد أكثر من واضحة في الحوادث الأخيرة ومنها حادث الإسكندرية الذي لم يُفزع مصر وحدها وإنما أفزع بقية الأقطار العربية التي ترى في ما يحدث في العراق ومصر للمسيحيين محاولة منظمة لإفساد العلاقة بين أبناء الوطن العربي والعالم المسيحي، وإظهار العرب بوصفهم قوماً لا يريدون التعايش مع الآخر أو مع أنفسهم انطلاقاً من أن المسيحيين في الشام ومصر والعراق هم من أعراق عربية وجزء لا يتجزأ من النسيج الوطني والقومي، وكانت لهم عبر التاريخ مواقفهم العروبية المتميزة ابتداء من الحروب الصليبية إلى مأساة فلسطين، وقد كانوا وسيبقون جزءاً من هذا النسيج العربي الوطني . ومن المؤسف أن بعض القيادات العربية قد أخطأت في إدخال الموساد إلى الوطن العربي ومكنت له من خلال العلاقات الدبلوماسية ليتسلل ويستقطب العملاء ويفجر حالة من الاحتقانات بين الأخ وأخيه والجار وجاره، لتحقيق الهدف المرسوم له ليس من “تل أبيب” فحسب وإنما من عواصم أخرى .
نقلاً عن "الخليج" الإماراتية
عبد العزيز المقالح
أوقفوا هذه الفتنة اللعينة 1785