في حديث منزلي شطا بنا إلى "حدة"؛ الحي الذي غالباً ما يسكنه ذوو الدخل اللامحدود من التجار والسياسيين ..فاجأتني ابنتي ذات الخمس سنوات بطلب ينفي أن يكون صاحبه طفلة بعمرها ؛"نفسي أسكن في حدة" ..من أين لي بالرد عليها يا ترى وهي ملحة لا ينفع معها صمت الحائر بالفشل في العثور عن جواب مقنع يتحرى على الأقل ولو نسبة "1%" من الصدق فحسب .
عدم العثور عن جواب يغضبها وأنا أنوي لها الغضب هذه المرة وإن كان بيني وبينها "عيش وملح" وشدو عصافير ولحظات وئام ،غير أن الطفلة أثارت هواجس تزمجر بداخلي كعاصفة وتصيب رأسي بالدوار ،تدفعني للبحث عن جواب لكن دون جدوى وترغمني على سرد مبررات الفشل ،فكيف لي أن أجد جواباً وراتبي الشهري ثمرة عمل في وظيفة غير حكومية بمعدل ألف ريال لكل يوم من الجهد والتعب وحصيلة أكثر من 16 سنة من الجهد والمثابرة في ملف دراسي لا يزال معلقاً في الخدمة المدنية كمعتقل بجرم ينتظر الإفراج لكن دون وجود بصيص أمل.. كيف لي أن ألتمس الرد وبيني وبين ذوي الكروش المنتفخة والسيارات الفارهة مسافات من الزمن البغيض ،اجتيازه يحتاج لعمر إضافي وأكثر في ظل أوضاع نعيشها ..كيف للذاكرة أن تسعفني لحل ينفس عن صغيرتي كربة الانتظار المعذب بالإلحاح وأنا الذي بيني وبين "حدة" كيلوهات من المستحيل المكبل باليأس، مفروضة لعرقلة الطموح كمطبات ملقاة بغجرية على الإسفلت في مدننا ،مستلقية بهدوء رغم تحديها المسير؟!.
صحيح أن الدستور اليمني والقوانين لا تفرق بين مواطن وآخر ولاتميز بين فئة وثانية ،لكنه الحظ السعيد ..إن لم يكن حظاً ملوثاً بالفساد ،ذلك النصيب العنصري والمكتوب المكرس للفرقة بين مواطني شعب واحد وبلد واحد ،حين يضع مواطناً في مدن راقية بالبلاد كـ"حدة" ويرمي بالكثير خارج مدن المحافظات ،كما هو الحال بالعاصمة ،كثيرون من يجدون أنفسهم ملقون في مناطق بائسة ،في حزيز والسنينة والمرتفعات في مذبح وذلك قسراً بظروف وأوضاع لا ناقة لهم فيها ولا جمل .
عفواً عصفورتي الصغيرة ليس هناك جواب لاستفسارك ولا حل للغزك وليس أمامك سوى أن ترفعي يديك نحو السماء وتدعين اللطيف الحكيم أن يلطف بالبلاد ويهدي قواها السياسية إلى روضة الاتفاق وسبيل الصواب، عسى أن يستجيب القدير لبراءتك فتصبح اليمن كلها تزهو بأحياء راقية كـ"حدة" ويسكن أبوك في إحداها !!.
عبدالحافظ هزاع الصمدي
نفسي أسكن في حدة 1828