أن يذهلك القدر فتفقد كل شيء حتى يخال لك أنك كنت سراباً في رحم المستحيل.. فهذه كارثة ، لكن أن تدهشك الأيام بمن يحول التراب دون قدميك تبراً.. فهذه عاصفة من عواصف الحب قد تقتلع فيك جذور الماضي لتغرس بيديها جذور حاضر رقراق.
كلنا جرب أن يحترق طويلاً ليضيء طريق الآخرين، لكن ليس منا من حاول أن يتسامى فوق النور والظلمة ليصبح أثيراً.. وهذا بالضبط ما يفعله الحب.. له أجنحة من الوله، عينان من الشهد، شفاه من الشوق، وظلاً ظليلاً من العفة والعنفوان، هذا يكفي ليجعلك شارداً حائراً في خيال من اللذة.
لكن للحب أصول وقواعد وقوانين وهذا ما لا يعرفه الكثير من الناس.. ومن جرب أن يتدلى كالكروم ليس كمن يبسط ذاته على التراب والفرق شاسع بين هذا وذاك.. الحب شعور بالحياة لأنه يعيد الروح إلى الجسد، يعطي حنايانا الضامرة دفقة لوعية وئيدة تعيد اشتعال أصابعنا ببرودة الجليد وتفتح ذراعينا للحياة من جديد، ولهذا نحن نعرفه، ندركه، نتوارى عن أنفسنا لنبحث عنه.. إنه الشعور الوحيد الذي يأتي خلسة من حواس الجسد، والشعور الوحيد أيضاً الذي يمتلأ عفة رغم أن العفة في الحب أمٌر مرّ.
إنه كصهيل الجياد الضامئة لفارس نبيل.. ولهذا يبقى النبل لصيق الحب أبدا لا أتحدث عن غريزة جائعة، أو رغبة لعوب، أو نزوة طارئة.. أتحدث عن حب بلغ من النضج مداه الواسع حتى أصبح ملكياً نبيلاً غزير البوح، ذائب الحشا، عذري اللفظ، لا تخونه خلوة اللحظة ولا تلوي العاصفة الذي يثير السحاب ويبقي حبات المطر متجمدة بين السماء والأرض.. هذا الشعور الذي تتحول فيه الكلمات إلى حكايا ، ونظرة العينين إلى أغنيات شجن، ونبضة القلب إلى بركان من الرقة.. يا لهذا الحب كيف يجعل شوارع المدينة في عينيك كتباً مفتوحة وبناياتها أقلاماً مشحونة بحبر الهوى وأرصفتها وسائد محشوة بريش البراءة.
ماذا نهديه في ذكراه الغائبة؟! سنابل شوق في كل سنبلة مائه قبلة؟! أزهار طيف على كل زهرة قطرة ولهٍ؟! شعراً مقفى في كؤوس المعاني؟! يا لهذا العذب كم جفاكم أو جفاني!!.
هذا المقدس من تأويل الوشاة كم من اللهو سقانا، كم من الجدب روانا، كم من التيه حوانا، أشهد أن هذا الساكن فينا يؤتينا حق الروح يوم الحصاد.. كدت أنسى أن أوصيكم أن يكون هذا حلالاً طيباً إذ لا يعيش الحب والخوف تحت سقف واحد، ولعل سرابيل الطمأنينة لا تغطي إلا الأجساد الساكنة.. أما تلك التي تنزع عنها لباس الستر لترتدي العري فلا أكتب عنها حرصاً أن استنزف حبري في الصراخ أمام ميت؟.
ها قد سردت عن الحب أسطراً ولم أشعر متى وإلى أين سار بين القلم ، ربما لأني أعيش حالة حب مع هذا لعالم بكل ما فيه من طيب وخبيث حتى أصبحت أشعر أن بيني وبين الذوبان في هذا الكون شعرة قدرٍ واحدة وبعدها قد لا أكتب حرفاً واحداً ربما لأني سأكون قد كفنت قلبي ووسدته صدر أحلامي ورحلت.
ليس الحب بين الرجل والمرأة هو كل الحب.. إنه جزء من الحب فقط وأما الحب الجميل الذي يعيشه أمثالي فهو حب التوحد مع خالق عظيم، وكونٍِ كبير ، وبشر من كل شكل ولون، وبنات أفكار يتخاطرن كحبات اللؤلؤ على بساطٍ عسجدي موشى بخيوط المستحيل.
//////////////////
ألطاف الأهدل
في ذكرى الحب 2267