وطن تتقاذفه الأزمات واحدة تلو الأخرى .. كيف له أن يتعافى والفساد يكتم أنفاسه من كل جانب .. ما أطول صبر هذا الوطن الذي تعصف به رياح الشمال والجنوب ذات اليمين وذات اليسار .. وطن واعد وغني بالخيرات والموارد، لكنها حبلى بالأزمات والكوارث والنكبات .. أوضاع اقتصادية متردية بسبب الفساد المستشري في كل مفاصل الوزارات والمرافق .. وأوضاع سياسية هي الأخرى منهارة .
الفساد آفة الدول وأحد الأسباب الرئيسية لانهيار الدولة هو الفساد كما يقول «ابن خلدون» .. الفساد ينخر جسم هذا الوطن من أخمس قديمه إلى حافة رأسه، لكننا لا نستطيع الإمساك به أو القبض عليه رغم أننا نراه ونتحسسه حوالينا من كل اتجاه على يميننا وعلى شمالنا ومن أمانا وخلفنا .. الفساد صار الأقوى في وطن قادته وشعبه مشغولون ببؤر الحرب والتوترات في صعدة وردفان والضالع ومودية ولودر وغيرها من المناطق .
وطن قادته مشغولون بحادثة الطرود ووثائق ويكيليكس والحرب الباردة بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك حول التعديلات الدستورية والسجل الانتخابي ومشغولين بقضية انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي .. كيف لهذا الوطن أن يستقر ويهدأ ورائحة الفساد تزكم الأنوف من كل شبر منه .. كيف له أن يتعافى وحالة الانفلات الأمني هي السائدة في معظم أجزائه؟ .
منغصات كثيرة يتجرعها المواطن على مضض .. غلاء الأسعار « المعيشة « دون حسيب أو رقيب .. جرعات قاتلة أصابت الرعية دون أن تحدث أي تحسن يذكر في المستوى المعيشي والاقتصادي للناس .. نهب للمال العام الذي أصبح كأنه ماكينة خاصة للمتنفذين والمسؤولين والفاسدين .. وطن يسير على بركة الله ودعوات الوالدين .
اختلفت الرؤى والمفاهيم والمصطلحات وغابت الحقائق والمبادئ والقيم والاتجاهات .. نظرية المؤامرة التي سادت الأنظمة الشمولية في النصف الثامن من القرن العشرين لا تزال هي السائدة اليوم في الصراعات القائمة اليوم وإن اختلفت في شكلها أو مضمونها .. الانتهازية سمة الواقع المعاش للتعددية السياسية والديمقراطية مع قدوم أي استحقاق انتخابي .. أحزاب قواعدها مغلوبة على أمرها من قياداتها التي تجيد لعبة العصا والجزرة لتحقيق مآرب شخصية لا للكسب السياسي ولكن للابتزاز فقط حتى تنال مبتغاها وتتنازل عن مواقف قواعدها .. وطن مثخن بالجراحات كيف لجراحاته أن تلتأم والفساد يستوطن كل أجزائه .. أما آن لهذا الوطن أن ينتصر لذاته بدلاً من الانكسار للمحن والهزائم ؟ .. لماذا نكابر حين نرى أن هناك خلل ما في نظام حياتنا كنا حكام أو محكومين ؟
متى نرى العدالة والمساواة والأمن والآمان مفاهيم ينعم بها الوطن والمواطن وحقيقة ملموسة في واقعنا المعاش ؟ ،متى نرى هذا الوطن آمناً مطمئناً دون حروب أو صراعات وخالياً من بؤر التوتر وإلغاء الآخر وإقصاءه وتهميشه ؟ ،الوطن أمانة في أعناق الحكام والمحكومين كباراً وصغاراً .
فهل آن الأوان لأن نراجع حساباتنا ونعطي كل ذي حق حقه، أما آن الأوان لأن نخوض حرباً شاملة على الفساد والمفسدين، أينما كانوا ومهما كانوا ؟
أما آن الأوان ان نؤمن بالحور لنتصالح ونتسامح ونعلو فوق الصغائر ؟ أما آن لنا ان ننزع الأنا من ذاتنا لنسمو فوق الجراحات لأن هذا الوطن ملكاً للجميع، جماعات وأفراد ؟
لغة العنف لا تولد إلاّ عنف .. الوطن يحتاج للجميع ويتسع للجميع .. النوايا الحسنة الصادقة بعيداً عن الحبك السياسي هي من تخرج هذا الوطن إلى بر الأمان وبعيداً عن سياسات الإقصاء والتهميش والإلغاء أو النظر للصغائر أو الاستحواذ اللامشروع .. فثروات هذا الوطن المعطاء ومقدراته هي ملك للجميع وخيرها للجميع والوطن يتسع للجميع ؟
فمتى ننفض غبار الآلام وألم الجراحات عن وطننا الذي نراه في أحلامنا وطموحاتنا وطناً تسوده الحرية والعدالة والمساواة والأمن والاستقرار والرخاء والازدهار ؟
والكرة في ملعب الجميع حكام ومحكومين وأحزاب معارضة ومستقلين وشخصيات سياسية ووطنية، كانت في السلطة أو المعارضة بأشكالها المتنوعة والوطن أمانة في أعناق الجميع .