ليس في الخطوة التي اتخذها البيت الأبيض بالتخلي عن رعاية المحادثات المباشرة وغير المباشرة بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، ما يعد شيئاً مهماً للفلسطينيين أو للعرب والعالم، فالكل يدرك منذ وقت طويل، منذ أوسلو وقبلها، أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض، كانت قد تخلت عن الموضوع الفلسطيني، ووقفت في وجه القضية منذ قبلت بأن يكون الكيان الصهيوني جزءاً من الكيان الأمريكي، وأن يكون الولاء لهذا الكيان العدواني مقدماً على الولاء للوطن الأمريكي، ورعاية مصالحه أهم بكثير من رعاية المصالح الوطنية للشعب الأمريكي . ومن هنا، فلا جديد في إعلان البيت الأبيض عن تخليه التام عن المشاركة في المحادثات، وانسحابه عن الضغط على الكيان الصهيوني بوقف التمدد الاستيطاني، وهو إعلان تأخر كثيراً، وكان فيه لو تقدم، الخير كل الخير للقضية، ولأبنائها الحائرين بين محادثات السلام والمقاومة .
لقد خسر الفلسطينيون بعد أوسلو كثيراً، وقدموا قوافل من الضحايا، لم تكن لتحدث بالصورة وبالكم الذي حدثت به لولا اتفاقيات أوسلو، وما ترتب عليها من أوهام ومحادثات طال أمدها، وتمكن الكيان الصهيوني من خلالها وبفضلها من ممارسة انتهاكاته الجسيمة، وما رافقها من اغتيال للقيادات الفلسطينية البارزة، وفي مقدمتها ياسر عرفات وأحمد ياسين . والغريب أن السلطة واصلت مسيرة أوسلو إلى اليوم غير آبهة بالمماطلات والتسويفات، ولا بما يحدث على الأرض من زحف يكاد يقضي على الضفة . علماً بأنه لم يبق من الفلسطينيين المتمسكين بتلك الاتفاقيات الخادعة سوى أقلية لا تكاد تذكر، بعد أن فتحت تلك الاتفاقيات على الشعب الفلسطيني أبواب جهنم التي لم يتوقف حريقها .
إن شعار “الأرض مقابل السلام” الذي ارتفع بعد مدريد تحول بفعل المحادثات إلى الأرض والسلام للكيان الصهيوني من دون أدنى مقابل . وما الحديث عن الدولة الفلسطينية الذي خدع الملايين في الداخل والخارج إلا لعبة متقنة الإخراج، وذلك لأن إيجاد دولة فلسطينية في حدود 1967 كما يقولون لم تكن تحتاج إلى كل هذا الزمن ولا إلى كل هذه المماطلات والتسويفات المصحوبة بقضم الأرض وإقامة الجدران الزاحفة، وتهويد القدس وإلغاء عودة اللاجئين وغيرها من الإجراءات الفاجعة، التي لم يعرفها الفلسطينيون تحت الاحتلال وقبل اتفاقيات أوسلو سيئة السمعة .
ومن نافل القول أن أذكر هنا أنه كان لي صديق مبدع وساخر توفاه الله بعد اتفاقيات أوسلو بعام واحد، كان يضحك بملء فيه، وهو يقف في مقر العمل خطيباً ليتحدث إلى عدد من الزملاء بوصفهم من أبناء الأرض المحتلة قائلاً: “أيها الفلسطينيون: أسلوا . . أسلوا عن وطنكم . وأسلوا عن قضيتكم فهذا ما تقوله اتفاقيات “أوسلو” المشبوهة والمكتوبة بالماء وعلى الماء، والتي مهمتها أن تأكلوا بعضكم وأن تنقسم إرادتكم، وأن يتسلل العدو إلى صفوفكم، وهو يمنيكم كذباً بدولة لن تقوم إلا بالمقاومة والانتفاضات الشعبية المتوالية” . ولو عاش ذلك الصديق الحكيم حتى اليوم لكان قد وجد ألف دليل ودليل على صحة وجهة نظره تلك، فقد مضى على تلك الاتفاقيات خمسة عشر عاماً . وقامت محادثات وسقطت . وقامت أخرى وسقطت أيضاً، لكن من دون جدوى .
نقلاً عن الخليج الإماراتية
عبد العزيز المقالح
هل كانت أوسلو لسلوان القضية؟ 1602