بعد تسعة من الشهور الكئيبة المملة، ولدت أو كادت الحكومة العراقية تولد، ويرى المراقبون أن الولادات متعسرة قلما يُكتب لها النجاح، فكثير من هذا النوع من الولادات يموت الجنين أثناء الولادة أو بعدها بأيام أو شهور . وهذا هو المتوقع والمنتظر لحكومة ليس لها من العراق سوى اسمها، أما محتواها فقد تضافرت على صناعته أكثر من جهة من خارج العراق، وذلك هو النموذج الديمقراطي الذي بشرنا به جورج بوش الصغير، وأرسل ربع مليون جندي للتهيئة له وحراسته من عيون العرب وغيرهم من أبناء العالم غير الديمقراطي الذي كان ولا يزال بحاجة إلى بوش وأمثاله من الذين يؤرقهم أن تبقى بعض الشعوب خارج دائرة الديمقراطية، وبعيداً عن تطبيق مبادئ حقوق الإنسان .
كثير من الأغبياء والمتغابين في الوطن العربي كانوا ولا يزالون يتوهمون أن جورج بوش الصغير كان كما يدّعي مبعوث العناية الإلهية لنشر الديمقراطية في الكرة الأرضية ولو أدى ذلك إلى قتل ثلاثة أرباع سكان الشعوب المحرومة من الديمقراطية، وإلى تشريد الربع الباقي، فالديمقراطية الأمريكية منها خاصة تستحق مثل هذه التضحية الباهظة (!!) فقد عانت الولايات المتحدة نفسها في سبيلها كثيراً من الآلام، وشهدت حروباً طاحنة وضحايا بلا حصر قبل أن تتجسد فيها ديمقراطية البيض، أو بالأصح نوع من البيض فليس من حق كل من هو أبيض في هذه الدولة العظمى أن يتمتع بممارسة حقه الديمقراطي في منأى عن التكتلات الاقتصادية واللوبيات العنصرية، أما السود فأمرهم من الوضوح بمكان، وإذا ما حدث اختراق ما، كما هو الحال في الانتخابات الديمقراطية التي أوصلت باراك أوباما إلى البيت الأبيض، فهي مؤقتة ولذر الرماد في عيون أبناء الجلدة السمراء، وشعوب العالم الثالث .
والأسوأ، بل الأبشع في إدعاءات جورج بوش وزبانيته من اللوبي المتطرف ما يقال من أن العرب لم يعرفوا الديمقراطية وإن اسمها لم يظهر في هذه المنطقة من العالم إلا بفضل الغزو الأمريكي للعراق، وحينها فقط بدأ العرب وجيرانهم يتحدثون عن هذا الشيء المجهول متناسين أو متغافلين أن أقطاراً عربية، ومنها العراق، عرفت الديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة قبل أن يولد جورج بوش بسنوات، وأن الاحتلال والمؤامرات الخارجية هي التي أجهضت النظم الديمقراطية في عدد من الأقطار العربية ومنها مصر وسوريا ولبنان، وقد ظل حلم الحرية والديمقراطية يراود الطلائع من أبناء الشعب العربي في سائر الأقطار على أن تكون ديمقراطية نابعة من رغبة المواطنين العرب لا قادمة إليهم عبر الغزو أو ضمن المستوردات الاستهلاكية .
وينبغي أن يكون واضحاً للداخل العربي والخارج العالمي أن محاولة تخفي الاحتلال وراء أقنعة الديمقراطية أساء إليها وجعل الأغلبية من أبناء شعوب العالم الثالث تنفر من الحديث عنها، وهو ما يقتضي من دعاتها الحقيقيين جهداً مضاعفاً في أوساط المواطنين لإعادة الثقة بها وبما تمثله من ضرورة لاحتواء التنوع والاختلاف في وجهات النظر وإعطاء المواطن العادي حقه في اختيار من يحكمه ومن يمثله في المؤسسات التشريعية والتنفيذية بعيداً عن الإكراه والخضوع للرأي الواحد أو للدكتاتورية البغيضة .
عبد العزيز المقالح
الولادة متعسرة والقابلة أمريكية 1980