تشهد اليمن هذه الأيام حدثاً رياضياً مهماً.. حيث تحتضن العاصمة الاقتصادية والتجارية ـ عدن بطولة كأس الخليج العربي العشرين التي تُقام خلال الفترة من 22 نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 5 ديسمبر/كانون الأول.. وهي المرة الأولى التي تستضيف اليمن هذه المسابقة.
لقد قطعت الرياضة الخليجية شوطاً كبيراً.. حيث اجتمع لها حُسن الإعداد، ووفرة الإمكانات، وسخاء الإنفاق.
وبالمقابل، رغم استضافة اليمن لهذا العرس الكروي الخليجي نجد أن الرياضة اليمنية قد عانت إهمالاً مزمناً، ولم تلق اهتماماً رسمياً وشعبياً كافياً.. بل إنها أصيبت بداء التقصير وشح الإنفاق، وفتور همة المسؤولين عنها.
وفي هذا السياق، وكي لا يكون الكلام على عواهنه فقد كان كاتب هذه السطور بمثابة شاهد عيان على ضعف الرياضة اليمنية وعدم تطورها.. حيث كنت أحد أعضاء المنتخب الوطني اليمني لألعاب القوى.. فشاركنا كلاعبين أساسيين في البطولة العالمية لألعاب القوى التي أقيمت في العاصمة السودانية الخرطوم في أوائل ثمانينيات القرن العشرين.
ومن المحزن هنا القول إن منتخبنا اليمني قد افتقر رغم حماسة لاعبيه وجديتهم واعتزازهم بيمنيتهم للحد الأدنى من الاهتمام والرعاية، إضافة إلى عدم توفر البنية التحتية للرياضة اليمنية، وكذا الارتجال وقصر فترة معسكر التدريب.
بل لا نبالغ إذا قلنا إنه لم يكن لدينا آنذاك مدرب فني متخصص في ألعاب القوى، إضافة إلى عدم توفر الأجهزة الرياضية اللازمة للتدريب.. ولهذا كانت نتائجنا الرياضية في تلك المسابقة متواضعة.
والمحزن في هذا الصدد، أن نتائج منتخبنا الرياضي الكروي الحالي لا تزال متواضعة كأن لسان حالنا اليوم يقول "ما أشبه الليلة بالبارحة".. حيث يلاحظ أن منتخبنا اليمني لكرة القدم قد لعب 15 مباراة خلال دورات الخليج الأربع الماضية التي شارك فيها، خسر في 12 مباراة، وتعادل في 3 مباريات، ولم يفز بأي مباراة.. أما “خليجي عشرين” الذي نستضيفه حالياً فقد لعب المنتخب اليمني فيه مباراتين أمام كل من المنتخبين السعودي والقطري، وخسر أمامهما، وودع البطولة مبكراً، رغم أننا المستضيفون لهذه البطولة الرياضية.
إن من المحزن إخفاقنا في تحقيق أي انتصار، رغم أننا أصحاب الأرض والجمهور.. صحيح أن الرياضة نصر وهزيمة، ومكسب وخسارة، ولكن من الصحيح أيضاً أن اليمن كان سعيد، ومن حق شعبنا أن يطعم لذة النصر ولو مرة واحدة، في أي مجال، سواء أكان سياسياً أم اقتصادياً، أم اجتماعياً أم حتى رياضياً.
إن خسارة منتخبنا الوطني اليمني هي خسارة كاشفة لضعفنا، وشاهدة على أن ثقافة الارتجال، وموسمية اهتماماتنا، وكراهيتنا للتخطيط بعيد المدى، وعدم الخجل من هزائمنا وعيوبنا، لا تزال تتملكنا.. رغم أن اليمن تُصنف ضمن دول العسر العربي اقتصادياً، ولكن “بطولة خليجي 20” قد ذكرتنا بأننا كيمنيين، من دول العسر العربي رياضياً أيضاً.
ويبدو أن المسألة أكبر من عسر اقتصادي وضعف رياضي.. بل إن من المؤسف أننا بتنا نعاني “عسر هضم سياسي" لكثير من المفاهيم والمقولات الديمقراطية التي ادعينا أننا وصلنا إليها.. فقد أعلنا تبنينا للديمقراطية وقيمها، ولكننا حولناها إلى أشباح لفظية من دون روح، وأحلام يقظة من دون فعل، وإجراءات شكلية من دون جوهر، ومبنى من دون معنى، وتحولت إلى “سراب ديمقراطي”.
أما التعددية السياسية فقد حولنا لتغدو (تعددية حربية) وقتالية، وغدت الأحزاب اليمنية المتعددة شاهدة على وجود تعددية إحصائية.. وغدونا نتباهى بوجودها عدداً ومقرات وصحفاً، من دون قيامها بمهامها.
أما الانتخابات فلم تعد شاهداً على وجود مشاركة سياسية، بل غدت مؤشراً على وجود انتحابات (بالحاء) لتغدو مرادفة لمفهوم القتال (حيث يُقال تناحب القوم إذا تواعدوا للقتال).. فالانتخابات اليمنية لم تعد آلية لتداول السلطة وتناوبها سلمياً، بل أصبحت إحدى أدوات التحايل السياسي، وحولت إلى غاية في حد ذاتها، ومن ثم يوجد لدينا تمديد فعلي للسلطة لا تداول سلمياً لها.
إننا كثيراً ما تباهينا كيمنيين ب”ديمقراطيتنا”، وافتخرنا بتعدديتنا السياسية والحزبية، وزهونا بأننا دولة ديمقراطية في محيط غير ديمقراطي وغير حزبي، وحاججنا الآخرين بأننا رغم فقرنا فنحن ديمقراطيون.. ومع مضي الأيام والسنون اكتشفنا عدم ديمقراطيتنا، وبتنا نخشى أن يأتي يوم يفاجئنا فنكتشف أننا لسنا وحدويين رغم توحيدنا لوطننا اليمن الواحد في 22 مايو/أيار 1990. وأننا غدونا موحدين جغرافياً ولكننا بتنا منشطرين نفسياً ومنقسمين اجتماعياً.
أعترف للقراء بأنني سطرت كلمات هذا المقال عقب مشاهدتي لمباراة كرة القدم بين منتخبنا اليمني والمنتخب القطري الشقيق والذي فاز بهدفين مقابل هدف واحد للفريق اليمني.
وفي هذا الصدد، يحق لنا طرح بعض التساؤلات المُحيرة، مثل "لماذا تلاحقنا الهزائم أيها اليمنيون؟ ولماذا انتشرت الأزمات والحروب في هذا الوطن الذي كان سعيداً؟ فالأزمات والهزائم يبدو أنها قد عشقت أغلبية اليمنيين وغدت تلاحقهم في مجالات شتى، من السبب يا ترى؟
لقد كان المعلق الرياضي الإماراتي (فارس عوض) محقاً حينما شخص بعض أزماتنا في اليمن بقوله “إن اليمن أمنت عدن بأكملها ولكنها لم تؤمن مرماها”، إنها عبارة تفسيرية وكاشفة لبعض أزماتنا ومثالبنا.. ألم يحرس بطولة كأس الخليج الحالية ثلاثون ألف جندي يمني، وأكثر من عشرة آلاف من عناصر الأمن القومي (أو الاستخبارات)؟ فعلاً لقد كان همنا كيمنيين هماً أمنياً، ولم يكن هماً رياضياً، ولهذا خسر منتخبنا رياضياً وخسرنا معه نفسياً.
إن ما يحز في النفس، أننا لا نزال أقرب إلى الدولة الأمنية ولم ننتقل للدولة الآمنة بعد، يا ترى ما السبيل للتخلص من هذه الدائرة الجهنمية: أزمات.. حروب.. هزائم.. فقر.. مرض.. جهل.. انكشاف تجاه الخارج وانفعال به؟ أزعم أننا كلنا خاسرون، وجميعنا، كيمانيين، مسؤولون عن كل هذا، وبنسب متفاوتة بدءاً بالحكام، ومروراً بالمعارضة ومؤسسات المجتمع المدني، وانتهاءً بقادة الرأي وبقية أدوات التنشئة الاجتماعية والسياسية.
صحيح أن الأمور تكون بخواتيمها، ولكن من الصحيح أن النتائج بمقدماتها أيضاً.. فازرعوا أيها اليمنيون وأيتها اليمنيات قيماً نافعة؛ كي تجنوا ثماراً يانعة.. والله المستعان.