أعتقد بأنه لا يوجد إنسان على هذه الأرض لا يعرف أن للحرية طعم وثمن، فالإنسان الذي لا يعرف ذلك هو إنسان لا يعرف للحياة طعما أو ثمناً.
عرفت ذلك مبكراً جداً، يومها أنجزت ما كلفت به من عمل، أنجزته بطريقتي وبحرية، فصدم والدي بذلك ودفعت الثمن لحظاتها وذقت طعم الحرية وتعلمت أن أدفع ثمنها عن طيب خاطر وكان ما حدث مجرد بداية.. وتكررت المواقف المتشابهة في حياتي، استمتع بطعم الحرية وأدفع الثمن كلما واجهت فرض رأي أو قتل الحوار أو إلغاء العقل، لذلك كانت فرحتي عارمة عندما أعطى الدستور في بلادنا للمواطن الحرية في الانتخابات إما بالترشح أو باختيار من يمثله، هكذا تم فتح أبواب الحرية وأنوار العقل وأصبحت حرا ومستعداً لتحمل الثمن، وإذا كانت الحرية في هذه الحالة إحساس رائع إلا أن الثمن هنا ضخم باختصار أصبحت شريكاً في تحمل مسؤولية بناء مستقبل الوطن.
ذلك هو التحول الضخم الذي يحدث وكما أفهمه وأحسه ولا يهم كثيراً الجدل الساذج حول نسب التصويت أو حوار التجاوزات.
الأهم نتطلع إلى المستقبل ونحلم بنظام تعليم ديمقراطي قائم على أعمال الفكر والحوار العقلاني الحر، نظام يخرج لنا علماء ومفكرون ومبدعون في كل المجالات، فالثروة والسلطة يا سادة أصبحت لمن يملك المعرفة والقدرة على تحليلها واستثمارها.. إننا نحلم بانتخابات برلمانية تؤكد استيعاب المواطن اليمني لحجم التحول الضخم الذي حدث ويحدث ويؤكد بفاعلية دوره في الحياة العامة وزيادة نسبة مشاركته في التصويت.
إننا نحلم بانتخابات جادة تؤدي إلى تشكيل برلمان قادر بالفعل على مراقبة السلطة التنفيذية ويمارس دوره في محاسبة الوزارة أو طرح الثقة في الحكومة إذا لزم الأمر، إلى جانب دوره التشريعي المهم، نحلم بسلطة تنفيذية قادرة على تحمل مسؤوليات الحاضر والمستقبل بفاعلية.
ولو أحس كل مواطن يمني بروعة الحرية واستعد لتحمل مسؤولياته.. لسابق المواطن العادي مع المسؤولين في اتجاه المستقبل، وعندما يتحقق ذلك سوف تتسارع معدلات الإصلاح الاقتصادي مع الآخر في الاعتبار العدل الاجتماعي المتزامن مع الإصلاح السياسي.
إن التجربة الديمقراطي في بلادنا ليست إلا بداية طريق طويل علينا جميعاً مسؤولية المحافظة عليها وأن نستكمل مسيرتنا الديمقراطية وتدعيمها وترسيخها بالعمل الدؤوب والجهد المتواصل لنشر ثقافة الحرية وحق المشاركة والحوار وقبول الآخر وتفعيل حياتنا الحزبية وتنشيط منظمات المجتمع المدني والسعي لانجاز الإصلاحات الدستورية والتشريعية.
لقد أصبح المواطن اليمني يتطلع إلى الأمان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هذا الأمان الذي سيجعل في حالة توافره المواطن اليمني يودع ثقافة التواكل والسلبية والتشاؤم ويفتح أبواب الأمل بشكل يؤدي إلى تحسين الحلاقة بين الحاكم والمحكوم ويزيد الثقة بين الأطراف الفاعلة في المجتمع ويقود الجميع إلى مستقبل أفضل،وحتى أكون أكثر وضوحاً علينا أن نؤمن بأن الحرية كما نعشقها ليست فوضى أو عشوائية أو جريمة يعاقب عليها القانون، فالحرية التزام ومسؤولية وإنسانية وواجب وحق وكرامة وحب وتفان وإخلاص وكل معنى جميل يحمل في وجدان اليمنيون، في هذه الرؤية الواضحة والإحساس العميق لا يمكن استيعاب أو فهم محاولات التشوية التي يمارسها البعض ويصبح السؤال ملحاً لماذا لا يعترف البعض بالواقع؟ والواقع الذي أقصده أننا جميعاً مازلنا نخطو خطواتنا الأولى في اتجاه الديمقراطية ولماذا لا تعترف الأحزاب الصغيرة أنها ضعيفة الإمكانيات؟ ولماذا لا تقر أحزاب المعارضة بأنها فوجئت بتهالك هياكلها وقلة كوادرها.
أخيراً يبقى السؤال الأهم لماذا يصر البعض على النظر إلى أسفل قدميه أو خلفه بينما الدنيا كلها تتحرك للأمام.. والله من وراء القصد.