حمدت الله كثيراً وأحمده على كل حال كما هو مطلوب من المسلم الحمد في السراء والضراء والعسر واليسر، لكن في لحظات ومواقف ربما تجد نفسك تبوح بالحمد والثناء للمولى عز وجل أكثر من لحظات أخرى وكان هذا الحال عندما رأيت عمال منجم في تشيلي في أميركا الجنوبية يتم إنقاذهم عن طريق كبسولة بعد أن قضوا سبعين يوماً تحت الأرض وعلى بعد ستمائة متراً تحت الأرض وخروجهم جميعاً أحياء في دولة لا تشتهر بالاختراعات ولا الأبحاث العلمية ولا تمتلك التكنولوجيا المتقدمة ولكن تمتلك ما هو أهم من كل ما ذكر وهي الإرادة وتحمل المسؤولية والاهتمام بإنسانية الإنسان، حققت ما هو شبيه بالمستحيل وهو أمر ما لا يحدث في دول ذات تقدماً وقوة أكثر من هذه الدولة.. وربما لم يسبق وأن جرت عملية إنقاذ بهذا المستوى والحجم ـ الأمر الذي رسخ الموقف بذاكرتي وأثار إعجاب الكثير، جعلني وأنا أسير في شارع المطار باتجاه العريش وطريق المملاح أحمد الله كثيراً وأشكره ـ أتدرون لماذا ـ شارع المطار بالذات؟ ـ لأن هذا الطريق من يوم توسعته قبل سنوات ورصفه وسفلتته وعملية الترقيع والإصلاح لا تتوقف فيه يوماً لأنها ظهرت الانبعاجات والمطبات والحفر والآلات لازالت تقوم بالسفلتة وإلى اليوم.. حمدت الله أننا لا نمتلك مناجم أو لم نعمل على حفرها وحمدت الله على الفقر مفضلاً عدم البحث عن المعادن في باطن الأرض لأنني تخيلت لحظتها منجم تشيلي عاملاً مقارنة سريعة في ذهني بين منجم تشيلي وطريق العريش وتساءلت لو كان لدينا هذه المناجم تحت إشراف الإنشاءات وتنفيذ المقاولون الذين ينفذون هذا الطريق وفريق المهندسين.
والعباقرة، أمثالها كثيراً من الطرق والمشاريع في الوطن العزيز وتصورت حجم المأساة التي يمكن أن نصل إليها أقلها ربما تقضي على كل الأيدي العاملة في الوطن لأن المناجم سيتحول قبوراً جماعية لكل من حاول العمل فيها.. عبرت الشارع وأنا أردد اللهم سلم وكأنني أعبر جسر جهنم.. زحمة سيارات أكوام التراب والحفر والأحجار وآلات الشق أو الحفر أو الرصف لا أدري ما هي وماذا تصنع دائماً، سرحت بخيالي بعيداً من تشيلي في أقصى الغرب إلى تشير نوبل في أقصى الشرق وارتعدت وأصابني الرعب عندما تخيلت أن الكهرباء بدأت بتنفيذ بناء مفاعلات نووية بهدف البحث عن الطاقة النظيفة والغير مكلفة، كما هو الحال في كثير من دول العامل وعادت بين الذكريات مرعوباً لتلك الفكرة التي سوق لها أحدهم يوماً ما حول هذه الطاقة وعندما شرع بتنفيذ الإستراتيجية بالتعميم والإلزام بلبس ربطات العنق كبداية للمشروع الاستراتيجي الضخم وحدمت الله أن المشروع لم يتعد ربطات العنق "الكرفته"، على الأقل لو مات أ حدهم إختناقاً بها أو قرر الانتحار ستظل حالة فردية لا إبادة، فيما لو حدث وبدأت ببناء مفاعل ننوي يدار بعقلية منفذي ومشرفي رصف وسفلته الشوارع فإنها ستكون القيامة التي تسبق وقتها، حظينا بها دون غيرنا ، وأخيراً تنفست الصعداء عندما استعدت وعيي بفعل حفرة أوشكت أن تكسر سيارتي، وأنا أردد الحمد لله الحمدلله الأول لأن سيارتي لم تتعطل ومازالت تمشي والثاني لأننا لا نبحث في باطن الأرض عن الكنوز والمعادن بحيث سنصبح جزء من هذه الدفائن، وحمدت الله على الكهرباء المتقطعة وفواتيرها التي تقصم الظهور، راضياً بحجم البلوى فهي نعمة، لو فكرنا فيما سيكون عليه الحال بالطاقة النووية التي لن تكوينا بالحر والتسعيرة ولكن الإشعاع والإبادة الحتمية وختمت تفكيري وحديثي مع نفسي بالدعاء اللهم اصرف عنا المناجم والطاقة النووية وباعد بيننا وبينهما كما باعدت بين المشرق والمغرب.. آمين آمين آمين.