لم يستفد شيئاً المواطن البسيط والمحدود الدخل المغلوب على أمره من أغلب ما يكتب وينشر في الصحف أو ما يقال عبر الإعلام المرئي والمسموع حول موضوع زيادة دخله الشهري وتحسين مستواه المعيشي. هذا الموضوع الذي أصبح هاجسه اليومي وحلمه الذي يتمن تحقيقه ليتخلص من همه ومن حمله الثقيل في صراعه اليومي لتلبية متطلبات الحياة المعيشية الذي يقف دائماً عاجزاً أمامها.
لقد سئم كل أنواع الوعود والأحاديث المزيفة والمواضيع المصطنعة بل أصبح يعتقد بأن هناك كذباً وتضليلاً متعمداً.. لأنه لم يسمع صدقاً أو رأى فعلاً حقيقياً بل مغالطات وخلطا.. وضلالاً لا جدوى فيه ولا فائدة.
المسألة الكبيرة فهي تتعلق بحياته لكن الخطورة تأتي من استغلالها والإثارة حولها واستعمالها لتحقيق أهداف أخرى، فالمناقشات والأحاديث التي تدور في الشوارع والمقاهي بين أناس عاديين جهلة أو مثقفين غالباً بالقول: لا أحد يشعر بما نعانيه من صعوبة الحياة لأنها ماتت الضمائر" كل واحد يشوف نفسه من أصحاب فوق وأيش بايكسب، هذه مصيبة من عند الله، ويقولون ليش الناس أصبحت متوحشة وما أحد يطيق أحد.
لا أشعر بأن هذا يختلف كثيراً عما يدار بين المتكلمين والمثقفين والكتاب أكان ذلك في الصحف أو الندوات أو غير ذلك وراء قتل تلك الكلمات التي تقول كل شيء ولا تقول أي شيء أرى فقط على ملامح البسطاء والمعدمين الفقراء ألم الحيرة والعجز عن الحركة أو الفعل جراء المعاناة وتحت التراكم المستمر لأثقال الحياة اليومية من أول دفع لقيمة فواتير الخدمات من كهرباء وماء وإيجار وتلفون وغير ذلك حتى التزامات الدفع لقيمة المتطلبات من الاحتياجات المعيشية.
إنني أتساءل ترى كم من الوقت والطاقة والمال يضيع لكي يجتمع أو يلتقي مجموعة من المسؤولين المعنيين بحياة المواطن ليقضوا يوماً طبيعياً لا أكثر وهم يتحدثون ويناقشون في وليمة غداء أو عشاء فوائد غزواتهم وسفراتهم وتنقلاتهم أو طموحهم لتحقيق أكبر قدر من الفيد..؟ وأهم ما يزعج في هذا الاجتماع أو اللقاء المعمول وبشكل وليمة أنه يتضح لا علاقة له بمشاكل وهموم البشر الذين حولهم هؤلاء الذين يحتاجون إلى لقمة أو قرص أسبرين أو حتى مجرد كلمة طيبة.
منذ متى تحول بعض المسؤولين عن الناس هكذا إلى أنيات فارغة مشغولة فقط بالفيد والكسب وبالاستهلاك حتى الامتلاء لا وقت عندها لرؤية الآخرين؟ أنيات فارغة تصدر عنها أصوات مجرد محاولة صماء لإثبات الذات.
****
نمشي على أرض من الازدواجية لا نواجه مشاكلنا الحقيقية لا نريد أن نرى أنفسنا بصدق، هناك صورة أخرى لنا لا ندري من يصنعها! التجربة أثبتت أنه لا توجد كلمة ولا يوجد فعل قادر على تهديد وحدة الوطن والشعب، ولكن ما يهدد وحدة الوطن هو صور الظلم اليومي واختلال القيم والعدل وعدم المساواة وضياع حقوق المواطنين الضعفاء في كل مكان.
وفي أي وجه ننظر له وكيف نلقاه ونحن باسمه نكذب ونرتكب الأخطاء.. والله من وراء القصد.