هناك نسبة كبيرة جداً من الفقراء الغارقين في الدرك الأسفل من الفقر وعذابات الحرمان الذين يزيدون عن 80% من سكان يمننا الحبيب ـ العائمين في بحور ومحيطات الهم الحقيقي للوحدة الوطنية ونجاح بطولة خليجي "20" وإنهاء فتنة التمرد الحوثي في صعدة ووقف جنون ودماء وخراب نتائج الأعمال الإرهابية القاعدية.. لكن هذا الهم في الواقع لا يحدث غالباً إلا إذا أفاق هؤلاء الفقراء من غيبوبتهم أغنية وطنية لـ"أيوب" أو سمعوا وهم في أرصفة العاطلين عن العمل ـ صباح كل يوم النشيد الوطني يردد في إحدى مدارس أمانة العاصمة الوطنية فقط، أما غيرها وفي مدن وقرى معظم المحافظات اليمنية الأخرى فلا نعتقد أن هناك علماً وطنياً يرفرف فوق سقف مدارسها ولا نشيداً وطنياً أيضاً من الذي نعرفه وتم إقراره قانونياً.
****
بمعنى لبرهة فقط أصبح أبناء هذا الوطن يفكرون بثوابته ويخافون ببراءة وفطرة على وحدته واستقراره ، أما بقية الوقت ومعظمه إن صحح التعبير فإنهم لا يفكرون إلا بالإيجار، إيجار الأكواخ التي يسكونها وقيمة فاتورة الكهرباء التي تضاعف كلما زاد فصل التيار وأحرقت الأجهزة الكهربائية أولاً بأول بفعل ذلك الفصل.. إلى جانب تفكيرهم أيضاً بتوفير حق "ابن هادي" إذا ما تقدم أحدهم إلى قسم شرطة لتقديم بلاغ وشكوى بأحد الفاسدين الصغار وليس الكبار أو المتوسطين.. أو للإدلاء بشهادة هي في الأساس لوجه الله وليس عليها رسوم ـ كما هو معلوم ـ لا في زمن القرون الوسطى وما تلاها ولا حتى في عهد الديناصورات وما سبقه وتلاه..
****
عموماً هذه النسبة الفقيرة التي تمثل الشعب اليمني تعتقد ـ ويا رحمتاه أنه لن يصيبها أكثر مما أصابها وليس هناك أيضاً ما يخافون عليه في حال لا سمح الله أوصل الفاسدون أوضاع هذا البلد إلى مرحلة الإنهيار الكلي وتمكنوا من استنساخ النموذج والمشهد الصومالي وأسقطوه على بلادنا التي وصفت قبل آلاف السنين في المصحف المرتل لرب العالمين بـ"البلدة الطيبة" وفي مستهل بزوغ ضوء الرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلوات وأتم التسليم بـ"بلد الحكمة والإيمان ورقة القلوب ولين الجانب" وغيرها من الصفات والقيم التي عرفت بها اليمن وأخذت تتلاشى بل وتغيب في عصر الديمقراطية والنفط والغاز والثروة السمكية والاستثمارات والضرائب والجمارك والزكاة التي لا يعلم المواطن كيف تجبى وتحصل وكم مقدارها ولمن تذهب؟؟ إلى جانب المنح والقروض والصدقات.
****
الحقيقة أنه علينا نحن الفقراء المقهورين أن ندرك ونعترف أنه إذا ما وقع الفأس في الرأس ، فلن يكون ذلك الرأس إلا رؤوسنا أما العتاولة من طبقة الفاسدين والنافذين فلن يصيبهم أي مكروه، فهؤلاء يا قوم لا يهمهم شيء وصدقوني أنه أول ما تبدأ غيوم وسحب الدخان وألسنة اللهب ترتفع في سماوات الوطن السليب، المغدور سيكونوا قد حلقوا بأسرهم وخدمهم وكلابهم المدربة وقططهم على ارتفاع "50" ألف قدم في السماء متجهين نحو منتجعات وعواصم العم سام أو العواصم والمدن العربية والإقليمية المستعربة.
****
إذن ألستم معي أن الخاسر الوحيد هو الوطن ونحن من سيدفع ثمن اللأمن واللادولة أو حتى شبه دولة، وإن كانت حكومتها فاقدة الروح والأهلية والكفاءة تتحرك كهيكل عظمي أو كمومياء محنطة لأحد أعضاء الأسر الفرعونية والإغريقية الحاكمة!.
على أية حال وبعيداً عن المزايدات باسم الفاسدين وباسم المستظلين والمتحجبين بحجاب المؤتمر الشعبي العام، وكون الفقير إلى الله ـ محرر هذه السطور مؤمن فكر وقناعة ومبدأ، وبدون انتظار أو الحصول على مصالح ونؤكد باسم المؤتمر الشعبي العام لا يعني أنه مظلة أو صك غفران يحلل للفاسدين ويعطيهم الحق في نهب ا لمال ا لعام دون مسألة أو رقيب.. لدرجة أوصلوا فيها أوضاع البلد إلى هذه الوضعية التي هزوا فيها الاقتصاد الوطني والناس في وطنهم وثوابتهم ومستقبلهم.
وإذا قلنا بكل وضوح وشفافية بأن ما يعانيه الوطن اليوم من تعب ومشاكل وتهديد حقيقي لوحدته وأمنه ونسيجه الاجتماعي كل هذا نتيجة طبيعية لأفعال الفاسدين وتراكمات انحطاطهم وجشعهم واستهدافهم لكل قيمة وطنية وأخلاقية ونهضوية.
كما أن ما نعانيه اليوم من خراب هائل في المعنى والمبنى والإنتاج والعلم يؤكد مقدار ما أصاب أولئك الفاسدين من سعار وخراب كامل في كل معاني الإنسانية والوطنية، الأمر الذي جعل فيه أحلامنا وتطلعاتنا على طول وعرض هذا البلد تتساقط في مشهد جنائزي حزين.