;

مراسيم "جلد الذات من أجل الوطن"!! 1238

2010-04-04 03:36:51

كتب/ابن
اليمن


ذات يومٍ وأنا أعيش أجواء الساعة
السليمانية أسير خيالٍ يجوب اليمن طولاً وعرضاً..أرسم لنفسي مشاهد تسيطر عليها
أنفاق مظلمة للحياة السياسية التي نعيشها يمنياً وفصولاً من الأحداث، لأجد نفسي
أكثر اتساعاً في دائرة الخيال للبحث عن مشهد حتى وإن كان في عالم الخيال أعيشه ولو
لحظات..مشهد تحكي أحداثه أن اليمن بدأت تتجه نحو الخروج من شرانق أزماته، وأن طاولة

الحوار بدأت تدور في مسارها الصحيح،
وأن الحزب الحاكم أعلن انضمامه إلى لجنة الحوار الوطني، وأن أخبار التلفاز تتصدرها
صور تجمع الرئيس مع قيادات أحزاب المشترك، وأن الكل وفي مقدمتهم الرئيس قرروا زيارة
المحافظات الجنوبية ومحافظة صعدة، وأن الجميع أجمع على مشروع وطني..
وبدأت ملامح
وجهي تنشرح وبدأت عيناي تذرفان دموع الفرح بهذا الحدث العظيم، وبالرغم من أني وصلت
إلى هذا الخيال دون أن ترتسم في مخيلتي "كيف ومن أدار الدفة لهذا المنجز"، المهم
هكذا بدأت المشاهد تتجلى في مخيلتي وأنا في الساعة السليمانية، وإذا برسالة sms
تصلني عبر هاتفي الجوال تقطع عليّ الساعة السليمانية وخيالاتها الأكثر روعة في
صورها ومشاهدها بوصول خبر عاجل فحواه أنه تم الإعلان عن إنشاء منظمة جلد الذات من
أجل الوطن.
هذا الخبر وهذا العنوان لهكذا منظمة أعادني وأنا في حالة تسمُّر إلى
الساعة السليمانية للتحليق فوق بساط الخيال من جديد ولكن بصورة ورؤية مختلفة،
فرسالة الإعلان عن (منظمة جلد الذات من أجل الوطن) ذهبت بي إلى البحث في ذاكرتي
وخيالاتي عن منظمات مقاربة تسميةً ووظيفةً لهذه المنظمة التي تم الإعلان عن تأسيسها
في وطني، والتفكير والوقوف بمسؤولية أمام عبارة "جلد الذات من أجل الوطن"، وبعد بحث
مستفيض ودوران مستمر لرأسي توقفت عند عناوين مقاربة ورؤى تقاربية مع مسمى منظمتنا
الجديدة، وأن أهم ما استوقفني من عناوين كان الأكثر علاقة هي عناوين مراسيم العزاء
التي تقيمها الطائفة الاثنا عشرية لأحياء ذكرى وفاة الإمام الحسين "ع" تحت عناوين
جلد الذات، نُصرةً للحسين(ع).
والتي تقام لمنهجية فكرية، لعيش ساعات درامية حية
للظلم الذي عاشه الإمام الحسين (ع) ومن معه من أسرته وأصحابه، وظهرت في خيالي مشاهد
ذلك العزاء الذي تقيمه الشيعة الاثنا عشرية سنوياً لإحياء هذه الذكرى منذ أكثر من
1400سنة، وتلك المأساة والظلم الذي عاشه الإمام الحسين (ع) ما زلنا ندفع ثمنه وكأن
من قتل الحسين (ع) هم المسلمون اليوم بشقيهم الشيعة الاثنى عشرية والسنة..
فمشهد
الجلد واللطم الذي تُستخَدم فيه السكاكين والسلاسل من قبل الشيعة الاثني عشرية في
هذه المراسيم وينتج عنها أفعال يمارسها البعض وكأنهم هم من كان يعيش في زمن الحسين
وهم من خذلوه ولم ينصروه..
هذه المشاهد قادتني إلى تخيل منهجية المنظمة الجديدة
والتي أُعلن عن إنشائها في يمننا الحبيب، وبدأ يتضح لي أن مفهوم جلد الذات بات
فعلاً - يمارس وليس ضميرياً فقط - لمراجعة موضوعية مسؤولة للوضع الراهن، وأن لها
أبعاد أكثر ثقابة من أصحاب مراسيم عزاء الحسين مكوياً وعقائدياً، وبدأت هنا أعيش
هذا التصور لأجد نفسي أمام هدفين من إقامة هذه المنظمة الهامة والتي يتم الاعداد
والتهيئة لها من خلال مشروع "اليمن أولاً" والدعوة إلى جلد الذات، فوجدت أن الهدف
الأول هو التقليد الفعلي منهجاً وسلوكاً لمنهجية الشيعة الاثني عشرية في إحياء
مراسيم عزاء الحسين، أيديولوجياً وفكرياً وعقائدياً والتي نجحت في إقناع الناس بقتل
أنفسهم من أجل الحسين (ع) وإن كان بعد 1400سنة ، وذهب ظني إلى أن الذكرى التي سيتم
التركيز عليها لتبقى مرتكزاً للغرس الفكري والعقدي في أوساط المجتمع كهدف لهذه
الهيئة ستركز على محورين، ينبغي أن يصور الوطن وكأنه الحسين).
الأول: جرائم
أحزاب اللقاء المشترك ومنظمات المجتمع المدني ومؤامراتها التي استهدفت استقرار
الوطن، وكذلك تورطها في دعم تنظيم القاعدة ورفضها للحكم الرشيد.
الثاني: انعدام
الثقافة الوطنية لدى المجتمع وقطاع الشباب خاصةً وتنكرهم لخيرات الوطن وعدالته
الاجتماعية والطفرة التي نعيشها من الاستقرار والأمان.
وبدأ المشهد يتجه إلى
منظمة "جلد الذات من أجل الوطن" بأنه لا يمكن أن ينحصر في حدود الصبر على الأوضاع
المتردية للمواطن والضياع والخواء الثقافي والفراغ الفكري وانعدام مقومات العيش
الزهيد فقط، بل إن حدود ما يتوجب علينا حين نجلد ذاتنا من أجل الوطن، أن نعيشه
بطقوس أكثر واقعية ومنطقية.
وهنا وجدت نفسي وبعد ساعات أقلب جهاز التلفاز لأسمع
نشرة الأخبار الرئيسية ليقرع ذلك الخبر مسمعي كخبر يتصدر الأخبار في قناتنا الأولى
وهو أن منظمة (جلد الذات من أجل الوطن) سيتم تدشين أولى فعالياتها الثقافية في ملعب
المريسي بالعاصمة وبأنها أي منظمة "جلد الذات من أجل الوطن" قد استطاعت الحصول على
منحة عينية سخية من إحدى المنظمات الإقليمية وهذه المنحة عبارة عن عشرات الآلاف من
سياط الجلد الممتاز وعشرات الآلاف من السلاسل التي تستخدمها الطائفة الإثنا عشرية
ليجلد بها المرء نفسه في مراسيم عزاء الحسين (عليه السلام)، وأن المنظمة تؤكد بأنها
قد وجدت في هذه في هذه التجربة للإثنا عشرية فاعلية يمكن الإستفادة منها خاصة وبأن
الوطن يستحق من المواطن أن يجلد نفسه لأجله بإيمان وعقيدة، وأن هذا الوطن ؟؟لا يقل
شأناً من الحسين (ع).
وأشارت المنظمة بأنها قد انتهت من إعداد برنامج ممنهج شامل
من شأنه أن يعمق الشعور بالولاء الوطني من خلال جلد الذات ممارسةً، وهي - حسب
المنظمة- الطريقة الأكثر منهجية لتعميق الانتماء الوطني، وكان الخبر قد حدد صباح
اليوم التالي موعداً لإقامة هذه الفعالية، وهنا تخيلت المشهد بكل تفاصيل فعاليته
لترتسم أمامي صورٌ أكثر ظلامية حين وجدت أن الناس قد بدأوا يتوافدون على ملعب
المريسي وبأيديهم السياط والسلاسل وبدا الحضور أكثر كثافة حيث تم اعتبار اليوم
إجازة رسمية من أجل (جلد الذات) في سبيل الوطن..
وشد انتباهي انتشار شعارات
حماسية مكتوبة على قماش موحد باللون الأزرق القريب للأسود عندما ننظر إليه من مسافة
ليست بالبعيدة.
وبعد أن امتلأ ملعب المريسي بالآلاف من المواطنين الحاضرين هذا
التدشين اعتلى المنصة أعضاء اللجنة التحضيرية لمنظمة "جلد الذات من أجل الوطن"،
وبدأ المذيع حديثه المتقد حماسةً بلغة قوية متمكنة، تظهر فيه إنسيابية درامية وهو
يتكلم عن مأساة الوطن وكيف تم الغدر بهذا الوطن وكيف تخلى أبناؤه عنه، وبدأ برسم
المشهد وكأن الوطن معلق بمشنقة لا يُعرف من أين تدلى حبلها..
وهنا بدأ البعض
يتفاعل وبدأ باللطم، وبدأ بتأنيب الضمير، ونهض أعضاء اللجنة التحضيرية للمنظمة
يلطمون أنفسهم بمناديل" كلينكس" ليكون مشهداً هو الآخر أكثر درامية في التأثير
لتزداد حماسية اللطم والبكاء، وبدأ الملعب تدوّي في ساحاته ومدرجاته مشاهد لطم توحي
بأن الجوع والفقر وانعدام الاستقرار وتزايد الإنفلات الأمني وارتفاع الأسعار
والبطالة وظواهر عصابات قطاع الطرقات والتمرد بصعدة ودعاة الانفصال في
الجنوب...
كل ذلك لا يعني الصبر على عيشه وتجرع مرارته شيئاً أمام مشهد الظلم
الذي يقع على الوطن..
وما يحاك ضده من قبل القوى التآمرية بشتى أشكالها.
وحين
وصل المشهد إلى أقصى صور جلد الذات باستخدام السلاسل وبدأت الدماء تسيل من بعض
المواطنين المشاركين وجدت أذني تسمع صوتاً مختلفاً لشخص آخر غير المذيع وبدت نبرات
هذا الصوت أكثر فاعليةً وأكثر تأثيراً، فصوته تسيطر عليه انسيابية درامية مؤثرة ،
فشدني الفضول لمعرفة هذا الشخص اسماً وشكلاً.
فبدأت أسأل وأتقدم في زحام الناس
الذين يسيطر عليهم اللطم من أجل الوطن وبدأت أشاهد المنصة ومن عليها بحثاً عن هوية
المتحدث، وبعد تدقيق في صورة المتحدث التي بدت واضحة أمامي وجدت نفسي واقفاً، غير
قادر على التحرّك وعيناي تتجهان بخط مستقيم نحو المتحدث، صورة المتحدث دخلت في
برنامج البحث في ذاكرتي، سرعان ما تكونه النتيجة التي أيقظتني من ساعتي السليمانية
وخيالي حين عادت الصورة وهي تحمل اسم صاحبها (محمد عبدالسلام) الناطق الرسمي لتنظيم
التمرد الحوثي..
هنا أفقت من خيالي وقمت مسرعاً للخروج من الظلمة وأشعلت الأنوار
وأطللت برأسي من إحدى نوافذ المجلس ، أنظر إلى السماء متوجهاً إلى الملك المتربع
على عرش الكون سبحانه وتعالى بهذا الدعاء "أنت الستار يارب ..
استر علينا والطف
بنا"..
خرجت من ساعتي السليمانية وأنا أبحث عن مكانة الوطن في كياني وتكويني
لأجدني- والحمدلله - مؤمناً فكراً وعقيدة أنني خلقت لطاعة الله، وللدفاع عن الوطن-
عبادة لله - ولنشر ثقافة المحبة والسماحة والعدالة والمساوة في الوطن أنني قلته من
أجل نصرة دين الله، ونصرة الوطن من الظلم والإستبداد ودعاة التمزق والطائفية
والليبرالية.
ووجدت في أعماق عقيدتي- أن خلقني الله من أبوين يمنيين على تراب
هذا الوطن، فتلك كانت هبة تفضل الله بها علي.
ووجدت أن الوطن يناشدني الصدق
والأمانة والكلمة الصادقة.
ووجدت أن جلد الذات من أجل الوطن يبدأ بأن نعطي هذا
الوطن بقدر ما أعطانا تبدأ من زاوية إيماني بأن الآخرين هم إخواني وشركاء معي في
العيش في هذا الوطن وأن خير استقراره مكسب للجميع، وذود، المخاطر واجب الجميع، وأن
الوطن هو الكبير وكلنا صغار أمام اليمن الكبير الواحد وكلنا إلى زوال، والوطن هو
الباقي.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد