;

السلطة بلا أخلاق وعش لتفريخ أبشع الديكتاتوريات ..الحلقة الـ«28» 1270

2010-04-01 03:33:15

صفحه من
الكتاب


إن تصور الديمقراطية على أنها
السلطان المطلق للشعب قد غدا تصوراً كلاسيكياً، لأن تقارب المسافات بين الأمم
وتشابك المصالح بينها وخطر الحروب المدمرة فرضت الحد من السلطان القومي للدولة
والسماح بنشأة سلطان الأجهزة والمؤسسات والمواثيق الدولية الإنسانية التي يعلو
سلطانها السلطان القومي، فضلاً عن أن سلطة الشعب العارية عن القيود الأخلاقية
والقيم الإنسانية كثير ما فرخت أبشع الدكتاتوريات ولطخت أديم الأرض بالدماء وبسطت
رداء الجوع والخوف في العالم. .
كما فعلت كثير من الديمقراطيات الغربية
والشيوعية.

ما ذهبت إليه بعض
الآراء السياسية قد يتناقض مع التصور الإسلامي للحكم والحاكم على أنه مدني من كل
الوجوه، معرض للصواب والخطأ ولذلك لزمت الشورى، ويتعارض صرامة مع توجيه النبي "ص"
لأحد قواده عندما سأله حين يظفر بقوم هل ينزلهم على حكم الله أم على حكمه؟ فقال له
المصطفى "ص": "بل أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله أم تخطئه"، ولقد صحح
عمر كتابه وهو يكتب نص حكم: "هذا ما قضى به الله قائلاً له: "بل قل هذا ما قضى به
عمر".
إن الحاكم المسلم لا يختلف من الناحية الدينية عن أي مسلم آخر في أنه بشر
من الناس معرض للخطأ وأن اجتهاداته في الدين معروضة كغيرها على بساط البحث العلمي
والشورى العامة والخاصة، يؤخذ منها ويترك على حسب حظها من القبول لدى مجلس الشورى
وللأكثرية رفضها أنه لا يختلف عن بقية المسلمين! إن هؤلاء قد اختاروه وانتدبوه
ووكلوه لقيادتهم بشرع الله وإنفاذ حكمه وفق أهل الشورى وهو لا يملك عليهم من سند
شرعي لطاعته غير تلك الصفة السياسية "الوكالة" أو التمثيل وطريقها الوحيد المعبر
عنها هي البيعة أو ما يعبر عنه بلغة العصر، الانتخاب، والرسول "ص" رغم صفته الدينية
كمبلغ عن الله وهي صفة قد أنهاها إلى الأبد ختم النبوة وهي صفة لا مجال فيها
للشورى لأنه لا مجال فيها للخطأ ذهب غير عالم من المسلمين إلى أن صفته السياسية
كحاكم قد اكتسبها بالبيعة وخاصة بيعة العقبة الثانية التي مثلت الأساس لقيام "دولة
المدينة" ولأنه كان في المدينة أقوام غير المسلمين مشركون ويهود لم تشملهم بيعة
العقبة.
فقد كان أول أعمال النبي القائد "ص" بعد وصوله إلى يثرب أن شرع الصحيفة
وهي بمثابة الدستور لدولة المدينة، بل هي أول وأوثق وأوضح وأعدل دستور لمدينة في
تاريخ الفكر السياسي بما تضمنت من تنظيم العلاقات والحقوق في مجتمع متعدد الديانات
والأعراف، وكان توقيع كل الأطراف عليها بمثابة العقد أو البيعة للدولة الجديدة،
والاعتراف بالنبي "ص" حاكماً مدنياً من جهة إمامته السياسية. .
وهي الجهة أو
الصفة التي ورثتها منه أمته تقلدها من تشاء من أبنائها عن طريق البيعة للقيام
بالوظيفة السياسية للنبي "ص".
* هل تستطيع الأمة عزل حاكمها؟ ولكن هل عقد البيعة
فعلاً من جميع الوجوه عقد وكالة نازع فريق من العلماء بعض المنازعة في هذا التنظير
وذلك أن الخليفة يلتزم المبادئ العليا للدين ولا تستطيع الأمة أن تلزمه خلاف ذلك
بينما الوكيل يلتزم تنفيذ إرادة موكله والأمة لا تستطيع عزل الخليفة إلا بفسقه أو
كفره أو عجزه بينما يستطيع الموكل في عقد الوكالة أن يلغي العقد ولو بتعويض.
وقد
يضاف إلى هذه الفروق أن الموكل في عقد الوكالة يفوض الوكيل بالتصرف في موضع الوكالة
على حين أن التفويض في عقد الإمامة هو تفويض جزئي، إذ الرئاسة العامة التي هي للأمة
لا تتنازل عنها الأمة بالبيعة لشخص بل تمارس تلك الرئاسة بطرق كثيرة كالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر تباشرهما في كل الاتجاهات، بما فيها جهة الرئيس وعن طريق
مؤسسات الشورى في مختلف مستوياتها العامة والخاصة بما في ذلك الاستفتاء، فليس لرئيس
الدولة من الصلاحيات إلا ما خولته له الأمة عبر ممثيلها.
ولكن على كل حال يبقى
تنظير البيعة بعقد الوكالة مقبولاً من أجل التأكيد على أن الحاكم ليس صاحب حق أصيل
في الرئاسة وإنما سلطانه مستمد من الأمة صاحبة السلطة المستفيدة من عقد الاستخلاف،
الأمر الذي يجعل الاختلاف واضحاً بين ثلاثة أوضاع: وضعية الأمة في النظام
الثيوقراطي الله - الحاكم الأمة وضعية الأمة في النظام الديمقراطي العربي
الأمة - الحاكم وضعية الأمة في النظام الإسلامي الديمقراطي الله - الأمة -
الحاكم.
* التصور الكلاسيكي للديمقراطية: واضح أنه ولئن كان هناك اشتراك بين هذه
الأنظمة فالتمايز بينها واضح. .
ولكن النظام الإسلامي من جهة إستمداد سلطة الحاكم
من الأمة هو الأقرب إلى النظام الديمقراطي.
الأمر الذي سمح لأكثر من مفكر إسلامي
أن يلحق الديمقراطية بالإسلام فيتحدث عن الديمقراطية الإسلامية، بمعنى أن ليس
للدولة الإسلامية من سلطان تستمده إلا من الأمة أو الشعب ، ولكن سلطان الأمة مقيد
بسلطان الشريعة وهو تقييد ذاتي، ولقد سبق وأن رأينا أن تصور الديمقراطية على أنها
السلطان المطلق للشعب قد غدا تصوراً كلاسيكياً لأن تقارب المسافات بين الأمم وتشابك
المصالح بينها وخطر الحروب المدمرة فرضت الحد من السلطان القومي للدولة والسماح
بنشأة ونمو سلطان الأجهزة والمؤسسات والمواثيق الدولية والإنسانية التي يعلو
سلطانها السلطان القومي، فضلاً عن أن سلطة الشعب العارية عن كل قيد خلقي وقيمة
إنسانية كثيراً ما فرخت أبشع الدكتاتوريات ولطخت أديم الأرض بالدماء وبسطة رداء
الجوع والخوف في العالم. .
كما فعلت كثير من الديمقراطيات الغربية
والشيوعية.
لا سلطان إلا بنبذ العصبية والطغيان: إذا كان لابد من سلطان يعلو
السلطان القومي للدولة والشعوب في من أجدر به من سلطان رب العالمين الذي ينادي
الشعوب والأمم إلى ترك العصبية القبلية والقومية والدينية والطغيان، وتذكر وحدة
الأصل وما تقتضيه من أخوة وتعارف.
أما كون الأمة لا تستطيع عزل حاكمها إلا بكفر
أو فسق أو عجز فليس ذلك من قطعيات الدين وإن التقى حوله معظم فقهاء السياسة
الشرعية، ولكن يبقى سياسة مفتوحة لأكثر من اجتهاد، في التحديد مثلاً بمدة قابلة
للتجديد عبر انتخاب حقيقي تتوفر فيه النزاهة وتعدد المرشحين. .
ولا يتضمن عقد
الوكالة تفويضاً مطلقاً ذا صورة واحدة، بل يمكن أن يكون تفويضاً جزئياً ويمكن أن
تتعدد صورة وشرائطه، الأمر الذي يسمح باعتبار عقد البيعة هو عقد وكالة على إنفاذ
الشريعة ورعاية مصالح الأمة ستتبع كسائر العقود حقوقاً وواجبات على الأطراف
المتعاقدة منها: الالتزام بحكم الشورى كما تقرر في مجلس الشورى أو الاستفتاء
المباشر واشتراط مدة معينة للولاية تتكرر أو لا تتكرر.
أن وظائف رئيس الدولة
ترتد إلى نوعين من الخطط، بالتعبير الخلدوني، خطط دينية كإقامة الصلاة والفتيا
والقضاء والجهاد و الحسبة، وخطط سلطانية أي سياسة تحقيق مصالح المحكومين من جباية
وبريد وشرطة ودفاع.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد