;
أمين عام هيئة مكافحة الفساد
أمين عام هيئة مكافحة الفساد

الفسـاد مُــدان فـي آيــات القــرآن 2692

2009-06-29 05:33:19

د. احمد عبدالله القاضي



قبل أن يمسك الإنسان بالقلم ويسطر حبره على الورق ليضع النصوص والأحكام للقوانين التي نصنفها اليوم ب "القوانين الوضعية " ويهتدي في آخر الزمان ) في السبعينات من القرن المنصرم)إلى سن القوانين المكرسة لمكافحة آفة الفساد، كان الله سبحانه وتعالى قد نهى عن هذه الآفة وحذَر البشر من عواقبها مخاطباً موسى عليه السلام. . . كما أنه محظور عليك أخذ الرٌشى Neither Shalt Thou Take Bribes. . . لأنها تعمي بصيرة العقلاء وتحرف كلام الحق Which blind the Wise and pervert the just. :( العهد القديم Old Testament) والفساد هو آفة لعلمي المتواضع قد رافقت البشرية منذ بداية الخليقة (( منذ أن ارتكب إبليس أول مفسده بعصيانه أمر الخالق)).

قال تعالى (وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس أبى وأستكبر وكان من الكافرين) سورة البقرة (34)-.

" والاستكبار من صفات الفاسدين ". وقد ربطها في القرآن الكريم في مواضع مختلفة من آياته بجرائم كبرى كالقتل والتخريب وإهلاك الممتلكات والأرواح وحدد عقوباتها وأوصاف مرتكبيها بأبلغ المعاني متجاوزاً بوضوح لا غموض فيه خطل المشرعين البشر وهفواتهم التي فاضت بها نصوصهم الوضعية بالتخبط والغموض والعموميات. ولم تكتف آيات القرآن الكريم بالنص على كلمة " فساد " التي تكررت في القوانين الوضعية بحروفها الأربعة بصورة مملة ومقرفة مضافاً إليها " ال" التعريف. . " الفساد " في أغلب الأحوال، بل تحاورت آيات القرآن الكريم مع هذه الكلمة الجامدة بمختلف تصريفاتها اللغوية بأسلوب جميل غاية في حسن البيان.

ولنتأمل فقط كيف تنوعت استخدامات هذه الكلمة الجامدة في آيات القرآن الكريم. ففي سورة البقرة الآية (205) أختتمها سبحانه تعالى بقولة (والله لا يحب الفساد) وكان قد مهد لهذا الاختتام في الآية ذاتها بقوله تعالى (وإذا تولى سعى في الأرض " ليفسد " فيها ويهلك الحرث والنسل). رابطاً هذا الفعل " ليفسد " بعبارات الآية التي سبقتها (الآية :204) واصفاً مرتكب الفعل أو مرتكبيه (( يستخدم القرآن الكريم في حالات كثيرة المفرد ليقصد به الفرد أو الجماعة على حدٍ سواء )) في قوله تعالى. . . (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام) فمن هو ؟ أو من هم هؤلاء " لُد" الخصام؟ هؤلاء هم فصيل من " الولاة " ((كل من يتولى إدارة شأن عام)).

أشد الخصوم خصومة " في الباطل " الذين سارت الناس وراء قيادتهم فأضلوا الناس السبيل بأفعالهم الفاسدة. وفيهم حمية الجاهلية على فعل الإثم (فإذا قيل له أتق الله أخذته العزة بالإثم). البقرة الآية: 206.

لا يمكن صرفهم " بالنصيحة " عما يرتكبون من فساد. . فتولى الله بنفسه عقابهم لما يتمتع به هؤلاء الفسدة من جبروت يتعذر على البشر إنزال العقوبة بهم وحدد لهم في خاتمة الآية أشد العقوبات قائلاً (فحسبه جهنم ولبئس المهاد) - تكملة الآية: 206-.

للاستدلال أنظروا. . . صفوة البيان لمعاني القرآن للشيخ /حسنين محمد مخلوف - مفتي الديار المصرية السابق- ص (48-49).

وفي صورة أخرى تعرض القرآن الكريم " لشقيقة " جريمة الفساد وهي جريمة " الإفساد " (( مصدر للفعل أفسد )) التي لم يعرها المشرعون البشر اهتمامهم ولم يخاطبوها مباشرة بالاسم " إفساد" في أي من القوانين المكرسة لمكافحة الفساد ولا في المعاهدات والاتفاقيات الإقليمية والدولية التي تعنى بمكافحة الفساد. فعلى سبيل المثال وليس الحصر نجد في قانوننا اليمني رقم (39 لسنة 2006م ) إشارة واحدة فقط ولكن ليست تحت مسمى الفعل " أفسد " وإنما تحت رشوة الموظفين الأجانب. . . الخ. (مادة 30-5) وقد جاءت نصوصها غامضة لا تعرف بالضبط هل " الراشي ". . هو الموظف المحلي أم الموظف الأجنبي ؟!

أما في القرآن الكريم فقد أتي بها في صور بديعة ومتنوعة. فأشار إليها في سورة البقرة في مناسبة النهي عن أكل أموال اليتامى التي ارتقى بها القرآن الكريم إلى مستوى جريمة فساد بقولة تعالى (ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم " المٌفسد " من المُصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم)- البقرة :220-.

وأعنتكم شرحها صفوة البيان بأنها تعني ولو شاء الله لضيق عليكم (ص53). و كلمة "المفسد" هنا جاءت في صيغة اسم الفاعل. وظهر "الإفساد" في صيغة فعل مضارع في الآية التي تحاور فيها الخالق مع ملائكته حول خلق النبي آدم (( عليه السلام)). . . (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من "يٌفسد" فيها ويٌسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لاتعلمون) - البقرة : 30-.

كما أشار إلى "الإفساد" في سورة النمل على لسان امرأة لها عرش عظيم ((هي بلقيس بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان وكان أبوها ملك اليمن - سبأ - وكانوا مجوساً يعبدون الشمس/ صفوة البيان -ص 482- والله أعلم !)) وذلك في ردها على كتاب وردها من سليمان (عليه السلام)، قائلةً. . . (إن الملوك إذا دخلوا قرية "أفسدوها" وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) - النمل:34-. وفي موضع آخر يتعلق بجريمة " الغش " بتطفيف الكيل والميزان قال تعالى في - سورة الشعراء:183-. . . (ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مٌفسدين).

والحق ، فإن القرآن الكريم يزخر بالمواعظ ضد الفساد والإفساد حتى ولو لم يذكرهما بالاسم. . مثل قوله تعالى. . . (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) - البقرة الآية: 188-.

والمراد هنا في الشق الأول من الآية أن لا تنفقوا أموالكم في المعصيات وكل ما لم يبح به الشرع والقانون مثل " الرشوة " و " الغش " و" اليمين الكاذبة " و"شهادة الزور" وكذلك المثل أن لا تكسبوا أموالكم من مصادر غير مشروعة مثل " السرقة " و " الاختلاس " وما شابه ذلك.

أما في الشق الثاني من الآية فالموعظة القرآنية المباشرة هي أن لا ترشوا الحكام ، ((القضاة منهم والمتنفذين)) لكي يعينوكم على إبطال الحقوق المشروعة للغير من الناس وتخرقوا بمؤازرة أولئك الحكام الفاسدين ، القوانين والنواميس.

أما العقوبات التي قررها الله سبحانه وتعالى فقد توعد الفاسدين والمفسدين على حدٍ سواء بعذابٍ عظيم. وفي واحدة من آيات القرآن الكريم ساوى الله عز وجل بين الأفعال الموجهة لمحاربة الله ورسوله وبين الفساد في الأرض وحدد جزاء الفاعلين وعقوبتهم في الدنيا وفي الآخرة على السواء قائلاً. . (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتلوا أو يُصلبوا أو تقطَع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم). - المائدة الآية :33-.

وقد رفع الله عز وجل درجة خطورة جرائم الفساد إلى أعلى درجات التجريم وهي " قتل النفس " وذلك في الآية التي قبلها من سورة المائدة ، قائلاً في معرض تحذيره بني إسرائيل. .

(من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساداً في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ولقد جاءتهم رُسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون). المائدة الآية :32

وبدون شك ،لقد أهدى القرآن الكريم في الآية (32) من سورة المائدة ، أعظم موعظة للبشرية كلها بمختلف أجناسها ولغاتها وأديانها (من قتل نفساً. . . فكأنما قتل الناس جميعاً. . . ومن أحياها. . . فكأنما أحيا الناس جميعاً). <

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد