محمد المطري. . والعودة إلى الحديدة بعد غياب طويل
يواصل المؤلف حديثه في مشوار النضال لرجال الثورة قائلاً: وصلت مع بعض الزملاء إلى الحديدة وعندها التقينا بالأخ/ محمد المطري الذي استقبلني بحفاوة وتقدير واحترام كما هي عادته، وطلب من الحاضرين السماح لنا بقليل من الوقت ، وبمجرد خروجهم من المكتب إذا به ينهال عليا بالأسئلة المتتالية والتي هي في معظمها رغبته في معرفة ما تعرضت له خلال رحلة الكفاح والدفاع عن الوطن والثورة وإذا بي أكتشف بأنه على إطلاع كامل بكل تحركاتنا يعايش كل تلك المراحل تغمره كامل السعادة وكان حزين لاستشهاد البعض من الزملاء وجرح البعض الأخر.
وكان على إطلاع بموقف كل فرد بما في ذلك أولئك الذين تقاعسوا في أداء مهامهم. !!
طلبت منه السماح لي بالمغادرة كي يتفرغ لما هو فيه إذا به يشير بالأنظار حتى يفرغ من كتابة ورقة موجهه إلى مدير القصر باعتباري ضيفاً في القصر وكان ذلك تقديراً كبيراً إذ كان القصر خاص بالقادة وكبار المسؤولين وقلت له لا حاجة لذلك وإذا به يعاتبني قائلاً: أن ذلك أقل ما يمكن تقديمه إلا أن لك والزملاء الذين قاموا بهذا الواجب.
ومنها قوله: أنت خير من يستحق النزول في هذا العصر.
العودة إلى صنعاء ومنها إلى القرية
بعد ذلك وفي اليوم الثاني سلمني أمراً بالركوب إلى صنعاء مع أول سيارة تتوجه إلى صنعاء مجاناً ، فودعت ذلك الرجل.
وبعد وصولي إلى "القرية" بعد فترة طويلة عن الغياب عنها وكأني حديث الولادة إذ أشيع من إذاعة الملكية بأني من ضمن الأسرى مع الدبابة وعندها أصبحت الأسرة والأهل لا يعلمون كيف كنت بعد الأسر.
هذا وقد لمست عند وصولي استياء العديد من الناس من بعض تصرفات القيادة المصرية واليمنية على حد سوء وحاولت بصعوبة إقناعهم بأنه قد تحدث أخطاء من بعض القيادات الغير مسؤولة في غياب إشراف القيادة العليا ولكن أقناعي كان دون جدوى ، خاصة وعند البحث عن الأسباب فإن البعض منها غير مقبولة حيث والأصرفات التي سمعنا عنها وبالطبع ردود الفعل تختلف في حدتها باختلاف ذلك القائد المصري فمنهم من يتعامل بحكمة ومهم من يتجاهل طبيعة التركيبات الاجتماعية في اليمن وكان العدو يهدف إلى تصعدي هذا النوع من المشاكل بهدف الإساءة إلى مصر ودورها والتشهير بالثورة والجمهورية.
الأكثر من ذلك تقلص دور القيادات اليمنية ، وأصبح من الصعب على القائد منهم الدفاع عن الأخطاء بالرغم من معرفة ذلك القائد بتقاليد الناس في اليمن.
كما أتضح بأن الحسن بن الحسين كان يشرف عسكرياً على المناطق المجاورة لصنعاء من الجنوب والشرق وكان يوصف هذا الرجل بالذكاء واستغلال كل الإمكانيات المتاحة بما في ذلك الأخطاء التي كانت ترتكب بقصد أو بدونه حيث كان يعمل على إثارة الناس من كل قبيلة على حدة مستغلاً كل حدث أو خطأ ينجم عن تصرفات القيادة المصرية أو اليمنية أحياناً كما كان يعد المواطنين ويقوم بتدريبهم وإمدادهم بالسلاح والمال خاصة رؤساء القبائل وأصحاب الوجاهة حيث كان يعتقد البعض منهم بأن المهمة قد انتهت بقيام الثورة وما تبقى ليست من الواجبات التي تعنيهم وعندما أتحدث من ذلك أقصد أن هناك قيادات ظهرت مؤخراً ومحسوبة على الثورة وأن التاريخ خلد أولئك الأبطال وكل من ساهم في قيام الثورة والدفاع عنها عسكرياً ومدنياً ، عندها كان شعوري بأن الأمل سوف يتجدد وأن الدفاع عن الثورة سوف يطول.
إضافة إلى وجود قناعات بأن الثورة تحتاج إلى ثورات مستمرة تثبت الجذور والخروج باليمن من العزلة والتخلف الشامل وأن الحاجة تستدعي المزيد من التضحيات ليس بالدم فقط إذ يتطلب الأمر التضحية بالجهد واختصار الزمن وبسرعة حتى نتمكن من مسايرة العالم من حولنا.
أول دورة تدريبية خارج الوطن
وعودة إلى الأمر الخاص بي فقد تمت الموافقة على بقائي في مدرسة المدرعات وفي نفس الوقت عرض خبير مدرسة المدرعات على الأخ مدير المدرسة ترشح سبعة أشخاص للتدريب في القاهرة وأخذ فرقة فنية ، وقد نال ذلك العرض إستحسان الأخ المدير والذي قام بترشيحي في المقدمة وأبلغني بذلك في اليوم التالي مقدماً نصيحة لي بالموافقة ، تم السفر إلى القاهرة لذلك الغرض ، وقد ضمنت الدورة بالإضافة إلى السبعة اليمنيين خمسة وعشرين متدرباً من أبناء مصر الكنانة، وقد تلقينا التدريب في منطقة التل الكبير التي تبعد عن مدينة القاهرة مسافة "200" كيلومتر تقريباً وكانت تلك المنطقة عبارة عن قاعدة الجيش الانجليزي قبل ثورة 23 يوليو.
وبعد مرور أربعة أشهر من التدريب المتواصل اختتمت الدورة ونلت فيها درجة جيد جداً محتلاً بذلك المركز السادس على إجمالي عدد المتخرجين والبالغ عددهم اثنان وثلاثون متدرباً، مع العلم أن جميع الدارسين في الفرقة من الأخوة المصريين كانوا من خريجي الكليات العسكرية.
ويضيف: وعودة إلى أشهر التدريب الأربعة في مصر وما رافقها من صعوبات حيث لم نحصل خلالها على جنية مصري واحد وأكثر من ذلك فقد سافرنا إلى مصر من اليمن بدون أن يصرف لنا مبالغ من قبل الدولة ، وأي عملة أخرى. وكنا نحتاج إلى بعض المبالغ لكي نستطيع مواصلة البقاء في مصر، وفكرنا في الذهاب إلى السفارة اليمنية في القاهرة ولا أبالغ بأن الجميع كانت تخلو جيوبهم حتى من أجرة التاكسي الذي سيوصلنا إلى منطقة الدقي بالقاهرة "حي السفارة اليمنية" بعد وصولنا إلى السفارة كان أول من التقيناه القائم بالأعمال وبالرغم من حقيقة صورنا وأجسامنا ولهجتنا التي لا يمكن لها أن تكون إلا يمنية ، نجد هذا الرجل يصرح بغير ذلك طالباً منا ونحن في موقف استغراب ما يثبت انتمائنا لليمن وكيف تم إرسالنا ؟ ولا توجد رسالة من اليمن؟ ولا جوازات معكم؟ وأتضح لنا من ذلك محاولاته التهرب منا وإنهاء الحديث.
ومع ذلك كله وبعد تلك المحاولات والمحاضرات والنقاش الطويل يرد علينا بقوله لا أملك صلاحية عمل أي شيء ، وعلامات الخوف تظهر على قسمات وجهه، وخرجنا ونحن نشكر زميلنا على حديثة وكان اليأس قد دب على الجميع ، وتم توزيع ما تبقى من ثمن الساعة على جميع الزملاء ،وعدنا في اليوم الثاني إلى المدرسة ونحن في موقفاً حرج وشعرنا بأن وضعنا لا يختلف عن الأيتام الذين ليس لهم من يعولهم أو يشرف على تربيتهم كما شعرنا بخيبة أمل من القيادة التي تنتمي إليها.
ويقول: وبعد ذلك اقتربت نهاية الدورة ومع نهايتها عدنا إلى صنعاء حيث لم نجد فيها من نوجه إليه اللوم ونعاتبه على ما لاقيناه في تلك الرحلة حيث والعاصمة صنعاء كانت محاطة بالمخاطر والحرب من كل الجهات وعلى أشدها في أرحب وهمدان وبني حشيش وبني سحام خولان ، وفي جحانة والعرقوب، والطرق تتعرض للقطع بين الحين والآخر ومنها طريق الحديدة صنعاء الشريان الرئيسي لليمن.