بقلم :أنيسة فخرو
القدس عاصمة للثقافة العربية، كان حفلا رائعا توجته فرقة الناصرة بالعزف الخرافي، القدس بكل ما تعنيه من تاريخ وعروبة وحضارة وتمازج الديانات السماوية، لكننا نتساءل: لماذا هذا الصمت العربي الإسلامي على ما يحدث للمدينة المقدسة؟ والى متى السكوت عن تهويد الأراضي وهدم البيوت وتشريد الأهالي؟ بيت المقدس أو أورشليم القدس(مدينة السلام) هي أكبر مدن فلسطين التاريخية التي ترزح تحت الاحتلال الصهيوني، وتطالب بعض الحركات الفلسطينية مثل فتح بشرق المدينة (القدس الشرقية حسب تقسيم اتفاقية الهدنة 1949) بينما تطالب الحركات الأخرى كحماس والجبهة الشعبية بها كلها دون تقسيمها، في الوقت الذي تعتبر القدس حسب القوانين الإسرائيلية عاصمة لدولتهم دون أن يُعترف بذلك دوليا.
يبلغ تعداد سكان القدس 000,724 نسمة في 2006 ضمن مساحة 123 كم كما حددته إسرائيل في يونيو 1967. تعتبر مدينة القدس من أقدم المدن التاريخية في العالم، حيث يزيد عمرها على (45) قرناً، وقد توالت الاجتماعات الدولية بشأن القدس، من انابوليس إلى قمة كامب ديفيد الأولى ثم الثانية، كلها من اجل التطبيع مع الكيان، ذلك البناء الذي تهاوى على جدران كامب ديفيد الأول فاهتزت قوائم البناء كله..
ألا كم هو هشٌ.. حين يكون الشعب العربي في واد وأنظمته في واد آخر فإن المصير الطبيعي لأي بناء يقوم على قدم واحدة حتماً السقوط، وكم نحن فخورون بهذا السقوط لأنه يعني الانتصار، اجتماع انابوليس، خاطئ من يقول عنه انه حدث غير تاريخي، بل هو الأكثر أهمية لأن نتائجه سيكون لها أثر على الشرق المتوسط كله امتدادا من فلسطين ولبنان حتى العراق والخليج. القدس.. الجميع يعلم انها عربية لكن فقط من أجل الجيل الجديد - جيل القرن الحادي والعشرين الذي لم تمر على ذاكرته صور النضال القومي العروبي.. نذكّر. التاريخ القديم يقول ان اسمها كان (يبوس) نسبة إلى اليبوسيين، القبائل الكنعانية التي هاجرت من الجزيرة العربية في الألف الثالثة قبل الميلاد واستقرت فيها، ثم تغير اسمها إلى (أورسالم) نسبة إلى الإله سالم عند الكنعانيين، وفي الألف الأول قبل الميلاد وحد الملك داوود قبائل إسرائيل التي خرجت من مصر واستبدل اسمها بمدينة (داوود).
ثم جاء من بعده الملك سليمان الذي انقسمت بعد وفاته إلى مملكتين، مملكة إسرائيل ومملكة يهودا وعاصمتها القدس. ويقول الباحث (جابر سليمان) في دراسته حول الصراع على القدس عبر التاريخ بأن البنية السكانية لفلسطين تشكلت منذ القدم من العنصر السامي العربي (العموريين واليبوسيين والكنعانيين والفينيقيين). وقد خضعت المدينة منذ القرن الرابع الميلادي لحكم الأباطرة الشرقيين الذين ظلوا يحكمونها حتى فتحها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 638 واستمر الحكم العربي الإسلامي على القدس (13) قرناً حتى عام 1917 عندما احتلها الإنجليز، ولم ينقطع الحكم العربي على القدس إلا فترة الاحتلال الصليبي الذي دام (88) عاما فقط من (1099-1187) حتى جاء صلاح الدين الأيوبي وحررها من الأسر.
وبعد الاحتلال البريطاني للمدينة وتمهيدهم لسقوط نصفها في براثن الاحتلال الصهيوني عام 1948 جاء الاحتلال الكامل لفلسطين في هزيمة 1967، وها قد مضى أكثر من (60) عاما ذاقت فيه المدينة أشد أنواع الاحتلال قسراً وعنفاً في التاريخ، فهل تكفي هذه السنوات العجاف أن تمحو أثر القرون الطويلة من الحكم العربي للمدينة المقدسة.. وهل يمكن أن ينسى التاريخ ذلك القائد العادل عمر بن الخطاب الذي رفض أن يصلي في الكنيسة خوفاً من أن يعتبرها المسلمون حكراً عليهم أو مسجداً لهم فصلى بجانب البوابة حيث بني في المكان مسجد للمسلمين بعد ذلك. والآن يتفننون في المسميات والمقترحات لتهويد المدينة، فمرة تدويل المدينة ومرة ولاية دينية عليها، فلقد طرحت الكثير من الصحف الأجنبية فكرة تدويل المدينة وحددت الدول التي تكون هذه المدينة المقدسة تحت إشرافها وهي أميركا والأمم المتحدة وإسرائيل من الغرب ومصر والسعودية والأردن وفلسطين من العرب.. والحجة أن هذه المدينة تهم جميع الأديان السماوية وكثيراً من القوميات، ولا أعرف أية حجة هذه تنطبق فقط على القدس ولا تنطبق على غيرها من الأماكن المقدسة والمزارات التي يؤمها الملايين من أقطار الدنيا كافة. لماذا يريدون تطبيقها على القدس؟ ألأنها فلسطينية عربية؟
والصهاينة دائما يرددون: لديكم 22 دولة لماذا لا تتخلون عن واحدة لنا؟ ونحن بدورنا علينا أن نسأل: لماذا لم تنشأ دولتكم على أراضي إحدى الولايات الأميركية التي يتجاوز عددها الخمسون؟ أو لماذا فضلت كل دول أوروبا التي يتجاوز عددها 70 دولة على طردكم من القارة كلها وإجباركم على الرحيل عنها وخلق كيان غاصب على ارض عربية؟
أما عن مصر فإن الرئيس مبارك يقول إن أية تنازلات عن القدس ستفجر الأوضاع وستؤدي إلى ظهور الإرهاب من جديد لأنه سيجد مبرراً قوياً لممارسة نشاطه، وقال مواصلاً كلامه: لقد عُرض على عرفات سابقا ولاية دينية فقط على المقدسات الإسلامية في القدس مع سيطرة كلية لإسرائيل على المدينة، وقد رفض عرفات هذا العرض.. والتاريخ يقول أيضا إن الرئيس كلينتون عرض على عرفات (30) مليار دولار لقاء قبول مقترحات واشنطن ومن خلفها إسرائيل حول القدس، وقد أجاب عرفات رحمه الله قائلاً: إذا وافقت على أي تنازل مهما كان حجمه في قضية القدس فإن الذي سيطلق عليّ النار هو أخي فتحي عرفات، وبالطبع ليس وحده بل الشعب الفلسطيني كله.
أما صحفهم فلقد علق أحد الصحافيين الإسرائيليين على (كامب ديفيد) الثانية قائلاً: «نهم يريدون ذبح البقرة المقدسة التي اسمها وحدة القدس» وكاتب آخر يعتبر معتدلاً نسبياً يدعى (نير برعام) في صحيفة معاريف كتب يقول: «ان ثمن السلام بات واضحاً (مشيراً إلى القدس) ونحن الآن ملزمون بأن نتخذ القرار.
اما أن نُشترى أو لا، وكشعب اعتدلت مواقفنا في السنوات الأخيرة ونحن بحاجة إلى اعتدال إضافي، ليس من أجل أحد ضد آخر بل من أجلنا، فالسلام مع الفلسطينيين ليس لعبة فيديو حين تهزم تنتهي اللعبة». يعلم الجميع ان أمن إسرائيل معلقة مفاتيحه بين الأيادي الفلسطينية، ونعتقد أن القيادة الفلسطينية الحالية أو المقبلة لا يمكن أن تتنازل عن ذرة تراب أو عن قطعة حجر من القدس العربي الشريف..<