عبدالوارث النجري
لا شك أن النظام والقانون هما مرجع الجميع، في أي دولة مكتملة مؤسساتها الدستورية، والنظام والقانون أيضاً هو الآمر والناهي في البلاد، فهما من يعاقب المخالف والفاسد والعميل والمرتشي وغيرهم، والنظام والقانون هما أيضاً من يكافئ الناجح والمجتهد والشريف والنزيه والوطني والملتزم وغيره والجميع بلا شك سواسية أمام القانون داخل الدولة، وهذا ما يحتم علينا جميعاً العمل على إعادة قوة القانون وهيبة الدولة التي يرى الكثير منا والمتابعون أنها قد فقدتها جراء بعض التصرفات المخالفة تجاه العابثين ومن يظنون أنفسهم فوق النظام والقانون، من خلال الدخول في مفاوضات غير مجدية تنتهي غالباً بدفع الدولة ثمن تلك المفاوضات من أموال وتنازلات وغيرها، لا ينكر أحد منا أنه رغم مرور أكثر من أربعين عاماً على قيام الثورة المباركة والتي كان أبرز أهدافها القضاء على الفقر والجهل والتخلف والظلم، أنه لا تزال هناك الكثير من المناطق النائية في بعض المحافظات الجهل والتخلف هما أبرز سمات سكانها، وهذا أيضاً يحسب على الدولة التي تعمدت أو تجاهلت الكثير من تلك المناطق التي لا تزال محرومة من المشاريع التعليمية والصحية، كما أن بعض المناطق للأسف يعتبر سكانها الكثير من السلوكيات المخالفة من أبرز عاداتهم وتقاليدهم الحميدة مهما كانت الدرجة التي وصلوا إليها من العلم فتراهم عندما يعيشون في المناطق الحضرية يعدون من أبرز المتحضرين وعندما يعودون إلى قراهم وعزلهم تجدهم من أكبر المتخلفين، وكأن الأمر مرتبط بالتربة والمناخ لا بالسلوكيات والآراء والمفاهيم، لكن تظل الدولة هي المتهم الرئيسي في هذه القضية بمختلف مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ لأن أهداف الثورة اليمنية يجب أن تكون نصب أعين المسؤولين فيها لا المصلحة الشخصية، نحن لا نحلم بالمدينة الفاضلة لكننا في نفس الوقت من حقنا أن نحلم بشيء من النظام والمساواة والعدالة الاجتماعية، من حقنا أن نحلم ببناء الوطن وفرض قوة النظام والقانون وهيبة الدولة، يستطيع كل شخص منا أن يقول للمخطئ أخطأت وللمحسن أحسنت، الدولة تعد ظالمة لمواطنيها عندما لا تسعى لتطبيق النظام والقانون في كثير من القضايا وظالمة لمواطنيها عندما تظهر عاجزة عن ردع الخارجين عن النظام والقانون والدستور وظالمة لنفسها عندما تترك مهامها وواجباتها وحقوقها الدستورية وتبدأ في مفاوضة المخالفين والمخربين والمستهترين، وهذا ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، فلو أن الدولة اختارت الحسم العسكري في فتنة صعدة والقضاء جذرياً على التمرد وأنصاره لما أصبحت اليوم تعاني من أعمال تخريب في بعض المحافظات الجنوبية باسم الحراك الجنوبي واستطاع عناصر القاعدة أن يجدوا لهم مكاناً آمناً داخل المحافظات في المدن والأرياف، ولو أن الدولة اختارت الحسم العسكري في قضايا اختطافات السياح خلال السنوات الماضية دون مفاوضات لما وصل الأمر إلى الاختطافات فيما بين القبائل والمحافظات اليمنية، ولو أن الدولة اختارت الحسم العسكري والأمني مع أول قضية اختطاف شخص يمني من داخل العاصمة صنعاء وعاقبت تلك القبيلة والعناصر الخاطفة لما تشجعت لخطف الثاني والثالث والرابع والقائمة طويلة بسبب وبدون سبب وعندما تتبادل القبائل والمحافظات والمشائخ المخطوفين والأسرى بعيداً عن الدولة وعن جهود ودور الدولة والنظام والقانون نشعر في حقيقة الأمر أننا في زمن اللادولة ويحكمنا شريعة الغاب لا نظام ولا قانون ولا دستور، فكلها مجرد شكليات ومراسيم نسمعها في الإعلام الرسمي ونحتفظ بها في أدراج المكاتب الحكومية، لا نقول أن الدولة عاجزة عن ضبط مخالف ومحاسبة مخرب ومستهتر وإطلاق سراح مختطف، بل على العكس الدولة قادرة على إعادة هيبتها بقوة النظام والقانون وإلا ما فائدة تلك المعسكرات الأمنية المنتشرة في مختلف مراكز المحافظات، لكن ما نريد أن نقوله ونحذر منه أن البلاد صارت اليوم مثقلة بالكثير من الهموم والمشاكل اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً ولسنا بحاجة اليوم إلى مواجهة قضايا ومشاكل جديدة نحن في غنى عنها لا تخدم في الأخير سوى أصحاب المصالح الشخصية الضيقة من الفاسدين والمتخلفين والعملاء والمرتهنين وأعداء الوطن في الداخل والخارج.<