محمد أمين الداهية
أيعقل؟ أهذا هو؟ يا الله.. سأقترب منه أتيقن وأستوعب ما أرى، فعلاً إنه هو، ما الذي جرى لك يا صديقي، عفواً نسيت أن أسلم عليك فما رأيته فيك قد أنساني مرور عامين على رؤيتك، أحقاً ما أراه أم أني أعيش كابوساً فضيع؟ أيعقل خلال عامين وبعد آخر مرة رأيت فيها صديقي وهو بكامل قواه في أحسن حال، وشعره الأسود الذي كان يحسد عليه؟ أيعقل أن أراه اليوم جسداً هزيلاً كسى شعر رأسه الشيب وطرأ على وجهه البشوش تجاعيد تحمل حزناً وهماً لا أعرف أسبابهما، أي نائبة من نوائب الدهر أصابتك يا صديقي؟ من الذي غير مجرى حياتك ونزع عنك ثوب الأمان وأبدلك ثوب الحزن والألم وقساوة الحياة؟
دار حوار طويل بيني وبينه واستطعت أن أعرف ما الذي جعل صديقي شكلاً آخر، استطعت أن أعرف من الذي قتل الحياة في قلبه، إنه ذلك العدو اللدود الذي يستخدمه الجبناء للقضاء على الحياة مقابل شيء من المال الزائف الذي يعمي أفئدتهم الحمقاء، عرفت أن عدو صديقي هو نفس العدو للكثير من الأبرياء والذين لا ذنب لهم إلا أنهم مواطنون يأكلون من محصول هذا الوطن ولكنهم كانوا يجهلون أن منتجات هذا الوطن الزراعية تتفجر سموماً قاتلة ويا ليتها تقتل فرداً بعينه أو في نفس اللحظة إنها إذا أصابت فرداً في أسرة معينة فمصيبتها تجلب الكثير من اليأس والإحباط والفاقة لهذه الأسرة، عذرت صديقي وعذرت حاله الذي وصل إليه، ولعنت داء السرطان وكل من هو سبباً في إيصال هذا الداء الخبيث إلى الأبرياء ولعنت زمناً ينعدم فيه الضمير وتختفي فيه الرقابة ويموت الأبرياء بسبب أن هذا المجتمع يفتقر كثيراً إلى الحماية الصحية وشاعت فيه اللامبالاة وأصبحت أرواح من فيه رخيصة جداً لا تستحق أن يخاف عليها، ولكن ماذا يفعل هؤلاء الأبرياء الذين يعجزون عن أن يمارسوا حياتهم دون تعرضهم للسموم التي تؤدي إلى الإصابة بمرض السرطان؟ كيف لا والمبيدات الزراعية والاستخدام العشوائي هي الطريقة المثلى عند عديمي الضمير للاهتمام بمحاصيلهم الزراعية، والآن يا ترى من الذي قتل ابن صديقي؟ من هو السبب في تلك الحالة السيئة التي وصل إليها صديقي حزناً وكمداً على فللذة كبده والذي خسره بعد أن بذل الغالي والنفيس من أجل إنقاذ طفله ابن السادسة؟ لكن الأقدار كانت أقوى منه، هو قدر وذلك أجله ولكن يبقى لكل شيء سبب وضحايا أمراض السرطان من يتحمل مسؤوليتهم؟ هل الحكومة ممثلة بالجهات المعنية؟ أم المزارع؟ أم تجار وباعة المبيدات الزراعية؟ أم يكون الضحية هو السبب لأنه تناول خضروات وفواكه جاءت إليه مملوءةً بالسموم القاتلة؟ وفي ظل هذا الصمت وضعف الرقابة نرجح أن الجهات المعنية إلى المزارع والبائع عديمي الضمير يرون أن ضحايا مرض السرطان هم المسؤولون عما هم فيه.