تواصل انهيار العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية يعكس أزمة اقتصادية عميقة، وكل ما اتخذته الحكومة من قرارات حتى الآن يبدو غير قادر على إيقاف هذا التدهور المتسارع.
أمام الحكومة الآن خياران حاسمان لا ثالث لهما: إما اتخاذ قرارات جريئة تُمكّن من استئناف تصدير النفط والغاز، أو الحصول على وديعة مالية كبيرة من الأشقاء لا تقل عن ملياري دولار، تُودع بشكل فوري في البنك المركزي لدعم الاقتصاد المنهار. أي حلول أخرى تُطرح في الوقت الحالي تبدو غير ذات جدوى ولا ترقى لحل حقيقي وناجز.
المفاجأة غير المعتادة في هذه الأزمة تكمن في غياب التدخل العاجل من الأشقاء، الذين لم يعلنوا حتى الآن عن نيتهم إيداع الربع الرابع من الوديعة السابقة، التي لا تتجاوز 250 مليون دولار، رغم أن الوضع الاقتصادي في اليمن يستدعي تدخلاً فوريًا لإنقاذ البلاد. ومن غير المنطقي أن يتصور أحد أن مبلغًا بهذا الحجم، يمكنه إنقاذ اقتصاد يعاني بهذا المستوى الحاد من الانهيار.
هناك حديث متزايد عن شروط سياسية مرهقة أو ابتزاز سياسي مرتبط بما تبقى من الوديعة، وهي شروط لا ترقى حتى لحل أزمة أحد أندية كرة القدم في دول المنطقة، ناهيك عن إنقاذ اقتصاد بلد بأكمله مثل اليمن.
الخطورة الحقيقية تكمن في التداعيات السياسية لهذه الشروط، التي تتجه في معظمها نحو فرض تغييرات جذرية داخل الحكومة، وأيضًا في مؤسسات الجيش والأمن. هذه التغييرات تبدو وكأنها تُمهّد الطريق لمنح مليشيات الحوثي مكاسب سياسية دون تقديم أي ثمن في المقابل، وكأننا نسير نحو تنازلات لا تخدم إلا أعداء الدولة والمصالح الوطنية.
ندرك تمامًا أن اليمن ورقة تستخدم في لعبة إقليمية لتأجيل الحرب الكبرى بين إيران والمملكة، لكن في نهاية المطاف، تلك الحرب لن تُمنع بل ستحدث عاجلاً أم آجلاً. فاستراتيجية إيران ومحورها في المنطقة تسير بخطى ثابتة نحو هذه المواجهة، مهما استمرت الرياض في السعي نحو شراء الهدن المؤقتة لتأجيل الحرب.
المفارقة في هذا الوضع هو أن كلما تأجلت الحرب ضد إيران، زاد الضغط على الدول المحيطة، وزادت فرص إيران وحلفائها في تحقيق المزيد من المكاسب على الأرض، سواء في اليمن أو في غيره. وهذا يجعل من الضروري على الأشقاء أن يعيدوا النظر في سياساتهم ويدعموا اليمن بشكل فعلي وسريع، حتى لا يتحول الوضع في اليمن إلى نقطة ضعف استراتيجية تستغلها قوى إقليمية لفرض أجنداتها.
الحل الحقيقي للوضع الحالي لن يأتي عبر ودائع مؤقتة أو مساعدات مشروطة بشروط سياسية، بل عبر إعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس مستقرة وقوية، وتعزيز المؤسسات الحكومية والعسكرية بما يضمن مواجهة أي تمردات أو تهديدات للأمن القومي. إنقاذ اليمن وتحريرها من الاحتلال الإيراني ليس خيارًا إنسانيًا فقط، بل هو خيار استراتيجي يعزز استقرار المنطقة بأكملها ويعزز الأمن القومي للملكة العربية السعودية !!