الإجرام الذي يحصل في غزة يجري فوق رؤوسنا جميعاً، وإن لم نكن نحن الضحايا، فأهلنا وإخوتنا وأولادنا.. وكل غضبٍ على الصمت وعلى الخذلان هو أمرٌ مشروع ومستحق.. كلنا مقصرون، حتى لو لم نجد سبيلاً للمساندة أكثر من التضامن.

كغزاوي، واقعٌ تحت القصف المستمر وترى قوافل الشهداء اليومية، ليس متوقعاً منك أن تلوم أعداءك "الصهاينة ومعظم الحكومات الغربية" فهم أعداء، والمتوقع منهم هو النكاية بك وتشريع حربك وإبادتك.. ولا أن تلوم خصومك، وبالذات الحكومات العربية المُطبعة، فهم يتعاملون مع حماس كخصم، ومعظمهم صنفها كمنظمة إرهابية، ولم تتحرك دولة منهم لطرد السفير الصهيوني أو حتى استدعاء سفيرها هناك لإبداء مجرد الامتعاض.

في المقابل، يحق لك أن تُعاتب الشعوب العربية والمسلمة، لكن أنت تعرف أنها مغلوبٌ على أمرها، ولا تستطيع أكثر من الكلام والتظاهر، ومحاولة الدعم المالي إن استطاعوا، وأنهم لو فعلوا أكثر من ذلك، فستقمعهم حكوماتهم، تماماً كما يحصل لفلسطينيي الضفة وال 48 الذين هم أيضاً مغلوبٌ على أمرهم، وليس بيدهم سوى التحرك في هوامش محدودة للأسف، وقد تعرض كثيرٌ من فلسطينيي الضفة للاستهداف بالقتل والاعتقال بسبب نشاطات التضامن.

من جهة أخرى.. يُمكنك أن تعاتب وتلوم وتنقِم على من وعد ومنَّى وهدد وتوعد، وجهز جيشاً للقدس، وتحدث عن توحيد الجبهات، وعن حرب تحرير فلسطين، وتاجر وأخذ مكتسبات داخلية كثيرة تحت لافتة فلسطينيين والمقاومة، وهو لا يردعه رادعا، فلا علاقة جيدة بالغرب تمنعه، ولا حكومات محلية تمنعه، وهو مسلح ومدرب ولديه عشرات آلاف الصواريخ والمقاتلين، وخطوط إمداد لا تتوقف،، وقاتل في سوريا والعراق واليمن باعتبارهم طريقاً للقدس، ثم لما حانت معركة القدس الحقيقية، جلس يترقب ولم يفعل شيئاً أمام عشرة آلاف شهيد ومفقود وعشرين ألف مصاب ومئات المجازر، سوى بعض المناوشات الحدودية التي هي رفع عتب ليس إلا.

كل شعور بالخذلان هو شعور مستحق، ولكنه في صميمه ناتجٌ عن توقع لم يحصل، فإذا كنتَ تتوقع من الحكومات العربية غير ما فعلت فمشكلتك في توقعك لا فيما حصل.

وإذا كنتَ تتوقع أن الشعوب العربية تستطيع أن تفعل الكثير فالمشكلة أيضاً في توقعك.. لكن فتش عمن خطب وهدد وتوعد ثم في لحظة الحقيقة خذلك ولم يفعل شيئاً. وعن الدولة التي ما فتئت تكرر أنها تستطيع القضاء على إسرائيل في سبع دقائق، وأن الكيان الصهيوني أوهى من بيت العنكبوت، ثم لما حانت الحرب، وارتكبت إسرائيل المجازر وقتلت الآلاف، اكتفت ببعض الخطابات، وبالتأكيد المتكرر أنها ضد التصعيد وتوسيع رقعة المعركة.

لا أتمنى أن تشتعل الحرب في جنوب لبنان، لأن اللبنانيين، جميعهم تقريباً، لا يريدون ذلك، وليس لطرفٍ الحق في مصادرة قرارهم.. لكن هنا فقط يجدر التذكير بأن من دمر لبنان في 2006 من أجل سمير القنطار، لم يفعل اليوم شيئاً أمام آلاف الشهداء ومئات المجازر في غزة، رغم كل الوعود والعهود والتهديدات ورفع سقف التوقعات.. فتذكر دوماً: أن الذي يدفعك للمعركة ثم يخذلك، أخطر عليك ألف مرة ممن هو بادٍ في خصومتك.