إذا أردت أن تفسد أمة أو تهدم حضارة فما عليك سوى اتباع خطوة واحدة هدم كيان المعلم وجعله في حالة ذل ومهانة تلك من بديهيات ومقاييس الحياة لأن المعلم حجر الزاوية في بناء الحياة ومسيرة الإعمار.
استعرض مسيرة كل الدول والأمم ذات النهضة والرقي والتقدم ستجد أنها جعلت للمعلم مكانة متقدمة ووضعته في أولوية اهتماماتها ووفرت له كل سبل العيش والرفاه والمكانة.
سئل إمبراطور اليابان ذات يوم عن سبب تقدم اليابان في وقت قصير وقياسي بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، فأجاب: "بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم حصانة الديبلوماسي وراتب الوزير!".
لهذا يحتل المعلم موقعا أسمى في المجتمع الياباني حيث يأتي مباشرة بعد الإمبراطور لأنهم عرفوا جيدا أن لا نهضة لليابان دون الاهتمام بوضع المعلم وجعله في مكانة مرموقة.
يقول مؤسس سنغافورة الحديثة كوان يو : "أظن أنني لم أقم بالمعجزة في سنغافورة" : أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم وغيرت مكانة المعلمين من الطبقات الدنيا في المجتمع إلى المكان اللائق بهم، وهم من صنعوا المعجزة التي يعيشها المواطنون الآن، وأي مسؤول يحب بلده ويهتم بشعبه كان سيفعل مثلا فعليا".
"كيف أساويكم بمن علموكم"؟؟، مقولة شهيرة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ردا على طلب القضاة والمهندسين والأطباء منها ذات يوم بزيادة في رواتبهم أسوة بالمعلمين وبسبب هذا الاهتمام من كل الحكومات الألمانية المتعاقبة بتحسين المنظومة التعليمية والاهتمام بالمعلم الذي يصل راتبه إلى 115 ألف يورو سنويا شهدت ألمانيا النهضة الاقتصادية الحديثة.
تلك نماذج بسيطة للدول التي شهدت نهضة وتحولا كبيرا، وهي ذات موارد محدودة، تحولات كانت بسبب إعطائها حيزا كبيرا من الاهتمام بالتعليم نوعية وكيفية ومعلم، وعلى عكسها عشرات الدول أهملت التعليم وتعاملت مع المعلم ككائن لا وزن له في الحياة وعلى رأسها بلدنا اليمن التي تعطي كل أنظمتها اهتمامها الكبير بمسؤوليها وبالرموز القبلية والاجتماعية وتتعامل مع المعلم بكونه من الطبقات المهمشة؛ انظر كيف وضعها وحالها المتخلف.
رواتب المسؤولين وزراء، وكلاء وزارات، مدراء عموم، قادة، المداحين ،المطبلين بألآف الدولارات والمعلم يعطون له الفتات ، صدقة مالية؟ .
زورا يسمى راتبا لا ترقى إلى مخصصا ضمان اجتماعي في بعض الدول النامية ويخرجون هذه الصدقة التي لا تساوي مائة دولار في أحسن الأحول من عرضه.
حياة المعلم في اليمن كلها مشارعة منذ أن يدرج اسمه في كشوفات التوظيف حتى يتوفاه الله ، علاوات ، تسويات الأصل أن تضاف لكشف الراتب آليا، مبالغ بسيطة؛ لكن في دولتنا لا يحصل المعلم عليها إلا بعد مظاهرات ، احتجاجات ، إضراب ، تعطيل العملية التعليمية في ظاهرة نادرة الحدوث في أي دولة عدى بلدنا هو الاستثناء ، والحمدلله نحن متفوقون ومتميزون بالاستثناءات.
راتب أقل معلم ومثله الموظف عام 2014م قبل الحرب كان لا يقل عن ثلاثمائة دولار × 214=64200 ريال ويكاد يغطي معظم احتياجاته إيجار ومواد غذائية وماء وغيرها وكانت المكابدة والمعاناة لا تصل إلى درجة القهر ، العوز ، الفقر المدقع كما هو اليوم.
أتت جائحة الميليشيات وتتار العصر الحوثي الإيراني ليهدموا ويدمروا كل شيء ويقفز سعر الدولار إلى 1400ريال للدولار الواحد أو يزيد قليلا ليغدو راتب أقل معلم وموظف الـ 64200 يساوي 33 دولارا وأكثر واحد مائة دولار ويقفز مع هذا السعر قيمة الكيس الدقيق من 17000الف قبل الحرب إلى أربعين ألف اليوم خلافا عن السكر ، الأرز ، الزيت ال ال ... إيجار أبسط شقة تجاوز مائة وثلاثون ألف ريال وتريد حكومتنا من هذا المعلم أن يبدع وأن يعطي وأن يخرج أجيال، أما في مناطق سيطرة الغزاة الحوثيين فقضوا على المعلم نهائيا بنهب راتبه كليا.
والله عيييب هذا الوضع بحق المعلم والعملية التعليمية عييييب على مجلس القيادة الرئاسي والحكومة والمالية أن يصادف يوم المعلم والمعلم بهذه الصورة المزرية والمهانة.