تسعة أعوام مضت منذ انقلاب جماعة الحوثي على الوضع في اليمن، وإسقاطها العاصمة صنعاء، في الـ21 من سبتمبر 2014م، وهو ذلك الحدث الجلل الذي تصفه الجماعة بالثورة.
مثل ذلك اليوم حدثا مفصليا في اليمن، ولاتزال تداعياته قائمة وماثلة، وأدى لهذا الحال الذي يعيشه اليمن اليوم، من التشظي والتمزق، وانهيار الدولة بكافة مؤسساتها.
إن هول الفاجعة والمصاب والحزن والصدمة لا يكفي للحديث عن هذا اليوم البغيض، واللحظات التي سقطت فيها صنعاء، وما سبقه من مخاض، وما رافقه من تطورات، وما أعقبه من تداعيات.
لقد كان يوما أسودا مظلما، ولازال كذلك، حتى يشرق فجر يوم جديد، في حياة اليمنيين، وبقدر ما عبر هذا اليوم عن طبيعة الغازين الجدد للعاصمة صنعاء، بقدر ما عبر عن حجم التدخل الخارجي، والتواطؤ الدولي، ومستوى الشتات والهوان الذي ظهرت به النخبة الحاكمة حينذاك، سواء أكان نظام عبدربه منصور هادي، ومن دار في فلكه من أحزاب، أو الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وحزبه، وكل مراكز النفوذ التي كانت مرتبطة به، تدين له بالولاء.
أدى ذلك اليوم إلى تشكل واقع جديد ومؤلم لليمن، صعدت فيه جماعة الحوثي للحكم والسلطة على أعناق اليمنيين، وتضحياتهم، وعلى الدماء الطاهرة التي أسالتها، وعلى الجماجم والأرواح التي قتلتها يدها الآثمة، في سلسلة أعمال دموية، لاتزال حية في الذاكرة اليمنية، ولا يمكن نسيانها.
لكن التداعيات الكبرى الناجمة عنها يتمثل في التدخل العسكري الخارجي في اليمن، والذي جاء ردا على ذلك الانقلاب، الذي تشير أصابع الاتهام للمال الخليجي في التورط بدعمه قبل إسقاط صنعاء، عبر الدعم المقدم للحوثيين، ثم تفجير الموقف عسكريا لاحقا، ما مثل فرصة في التدخل المباشر باليمن، وممارسة كل هذا العبث الذي يدخل اليوم عامه العاشر.
وجد اليمنيون أنفسهم منذ ذلك اليوم، أمام حرب قسرية فُرضت عليهم، حرب خارجية، قادها التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية، تسببت بأسوأ أزمة إنسانية، وحصار واسع لليمن، وتمزيق لا يرتق للبلد، وحرب داخلية شنتها جماعة الحوثي في مختلف المجالات، تحت حجة مواجهة الحرب الأولى، طالت حتى أولئك الذين تحالفوا معها في إسقاط صنعاء، وشاركوها الفرحة في ذلك اليوم الأسود.
فرضت الجماعة فكرها الطائفي، وحكمت بالحديد والنار، وضربت رؤوس كل من يعارضها أو ينتقدها، وحولت اليمن لحوزة مذهبية بلون واحد، وأرغمت الملايين من اليمنيين على دفع الإتاوات لها، وجمدت العمل السياسي، والنقابي، وتسببت بموجة نزوح واسعة على المستوى الداخلي والخارجي.
أتاح ذلك الانقلاب للجماعة التوغل في مؤسسات الدولة، وأظهرت معدنها الحقيقي بدون أي رتوش، لتظهر نسخة محدثة من النظام الإمامي الكهنوتي الرجعي الذي حكم اليمن لقرون، من خلال وضع الأولوية للمذهب الخاص بها، وتعيين المنتمين للسلالة القادمة منها فوق كل اعتبار، وفوق كل نقد، أو محاسبة، بل إنها جعلت من البلد برمته شركة تجارية خاصة بها.
إن يمن ما بعد الـ21 من سبتمبر يبدو مختلفا كليا عن كل الفترات السابقة، جعلت فيها جماعة الحوثي اليمن منذ تحقيق ثورة 26 سبتمبر 1962 حتى لحظة انقلابها كأنه حلم عابر في حياة اليمنيين، وعاد للبلد الثالوث المخيف من الفقر والجهل والمرض، وفُرضت العزلة على اليمنيين، وسقط الضحايا منهم في الداخل، مثلما عانى البعض منهم من التشرد ومرارة النزوح حول العالم.
لقد تحولت البلاد إلى ساحة مفتوحة للتدخل الخارجي، وميدان اختبار للأسلحة الدولية، والنفوذ الاستخباراتي، والأجندة المختلفة، ونمت المليشيا في كل نواحي البلاد، وتدمرت البنية التحتية، وجرى التضييق على رأس المال المحلي، وخضع الشعب للابتزاز، ودفع الإتاوات، وظهرت طبقة جديدة من التجار والعسكريين والجيش والأمن نمت في بيئة الحوثيين، وتنتمي لها، وتدين لها بالولاء.
ولا غرابة وليس تهويلا إن قلنا اليوم إن كل المكتسبات التي تحققت منذ أكثر من خمسة عقود، انتهت وتلاشت، ولم يبق من اليمن سوى اسمه، وجماعة تحكمه، وتمتص دمائه، وتتحكم برقبته، وحاضره ومستقبله، حتى بات اسم اليمن يرمز للحرب، والجوع، والصراع.
فعن أي ثورة يتحدثون، وأي احتفال يحتفون به في هذه الذكرى البائسة، إنه ليس سوى رقص لثعبان من الثعابين على جثث ضحاياه، أولئك الضحايا الذين صبروا كثيرا، لكنهم لم يموتوا، ومن أنينهم وأوجاعهم ستشرق شمس جديدة تزيل كل الكهنوت، وتعيد لسبتمبر عيده الواحد فقط، فهو لا يحتمل سوى الـ26 من سبتمبر عيدا جمهوريا أبديا.