عندما يتضخم إحساس الشخص بأنه مقدس إلى درجة التأليه في وسط اجتماعي مشحون ضده بالكراهية كما هو واقع حال عبدالملك الحوثي، فلا غرابة في اصطباغ نظرته وسياسته وإدارته الخاصة لشئون البلاد والعباد بروح عدائية مفرطة إزاء كل صاحب حق ومظلوم. ليس له من إدارة الحكم والعلاقة بحقوق الناس سوى الدوران حول مشروع ذاته الأنانية المفرطة باعتبار نزواته وطموحاته غير المشروعة محور كل شيء. ما الذي يستدعي محبة الناس لمن لا يقدر آدميتهم وكرامتهم.
وعلى أعتاب المولد النبوي يستجدي عبدالملك الحوثي وعصابته قبول الناس به لا كراهيته، ولم يعدم توظيف هذه الحيلة الدينية وعواطف الناس الجياشة في محبة رسول الله ليعمل على تشويه بيت النبوة ويسقط أكثر فأكثر في مستنقع فضائح التناقضات، وأنه بنظر الناس لا يمكن لمدعي شرف الانتماء الرفيع سوى الانحطاط الأخلاقي المريع إلى هذه السفالة والتمادي في ظلم الناس وسحقهم. فالنبي محمد صلوات الله عليه كان رحمة للعالمين وليس نقمة على عباد الله.
ولعل المسلم البسيط النقي والتقي الذي لم تخالط نفسه مظلمة لإنسان آخر في مسلكه وتعاملاته أقرب إلى هدي النبوة وأصولها من مدعي انتساب كاذب يفضحهم سلوكهم المخزي كشاهد على بعدهم عن الإنسانية، ناهيكم عن أخلاق وصفات النبوة.
وعلى الطريقة الأمريكية المفتعلة يقول عبدالملك وزمرته لماذا يكرهوننا ؟.
فيعتبرون كل المظالم والقهر والسطو والنكبات اليومية وإذلال الناس في معيشتهم وحياتهم وسرقة اللقمة من أفواه أطفالهم جائزة إلهية عظمى.
أزمة شرعية وشعبية
عندما يفتقد مغتصب السلطة إلى شرعية شعبية عبر صناديق الاقتراع يلجأ الطاغية إلى خيار تحسين سمعته عند الناس لامتصاص نقمتهم وغضبهم، أما في وضع مناطق سيطرة الانقلابيين فالحالة أكثر تعقيدا، فلا شرعية صناديق الاقتراع ولا رضى شعبي لاحق ما بعد اغتصاب الحكم، بما في ذلك أيضا تفكك دائرة التأييد التقليدية التي كانت محيطة برأس الاستبداد واكتشفت بشاعة استغلالها لاحقا. وقصة رواتب الموظفين هي واحدة من وسائل انتقام غاصب السلطة من الشعب، يفترض التضرع إلى الله بشكر ولي الله عبدالملك وإخوته وأعمامه وأصهاره وذيولهم وتكرمهم وتنازلهم الكريم بأكل ونهب رواتب الموظفين وأموال الشعب.
فالحق الإلهي لا يقوم على تمليك السلطة والحكم فقط بل وإلحاق البشر والشجر والبقر والأموال بمن زعموا الاصطفاء. وبالأمس كان تجريما وتخوينا من لا يقول بحقيقة وجود عدوان خارجي أبرز الذرائع لملاحقة وتصفية وقمع المعارضين لعدوان وحرب الحوثي الداخلية.
واليوم كل من يقول في مناطق سيطرة الانقلابيين إن الحرب انتهت أو سوف تنتهي، فهو مجرم ومدسوس وخائن ومرتزق وعميل تستوجب محاكمته وشنقه..
ويكفي أن الهدنة العسكرية المؤقتة فرضت عليهم الانصياع بتسليم المرتبات يدا بيد، وبالشروط التي تحفظ للموظف والعسكري والأمني كرامته بعد استماتة طرف السلطة الشرعية بقيادة الرئيس رشاد العليمي في رفض تسليمها عبر قنوات الحوثي العابثة. فانتهاء الحرب يعني لهم تسليم السلطة والسلاح وأدوات الدمار والخراب والاستقواء، وكل ممكنات بقاء واستمرار مشروعهم العنصري العائلي..
والذين فاجأوا الناس مؤخرا من قيادات الصف الأول للجماعة من رموز قبلية وسياسية بانخراطهم في مطالب المظلومين وضرورة التزام من يحكم ويجبي الإتاوات والضرائب ويسرق أموال الدولة والتجار والمنهوبات بصرف مستحقات الموظفين وغيرهم قد يعودون كذلك إلى رشدهم في فرض عدالة مفقودة وحقوق مهدورة لتبرئة ذممهم من طغيان همجي فاحش ساهموا في تتويجه وتنصيبه وصناعته بالباطل على رقاب الناس, وفقدوا معه سمعتهم ومكانتهم الاجتماعية والسياسية ومصداقيتهم بين القبائل والعشائر والنخب السياسية كوجاهات محترمة دفنت رؤوسها في الرمال حين كان عليها قول كلمة حق في وجه سلطان جائر كانت عماد حكمه وعصاه الغليظة. لا سلام في أولوياتهم ولا وئام، فبالحرب المستمرة التي يخططون لها إلى ما لا نهاية لن يتكشف للناس بنظرهم مدى فشلهم الإداري والأخلاقي الذريع وقبح مشاريعهم الثقافية الشاملة.
ولكن بديهيات حركة وصيرورة التاريخ الإنساني لا تبقي فراغات مناسبة لمشاريع حكم الطغيان والتخلف مع تطبيع الحياة السياسية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع كبديل لشرعية اغتصاب الحكم بالقوة. حسم معركة الحل السياسية والانتقال إلى السلام الشامل والمتوازن في اليمن لا يبدو قريب المنال وإن كان تسليم وصرف المرتبات أقرب كثيرا هذه المرة.