في سيرته الوطنية، يمضي الإصلاح على درب الحركة الإسلامية اليمنية التي مثّلت التعبير الطبيعي للفطرة اليمانية الرافضة لمنهج التعالي الإمامي في أشد مناطق الصراع خصوبة للدم والمؤامرات، هناك حيث وسط اليمن، حول صنعاء وفي قلبها، وعلى ضواحيها، كان الدعاة المجتهدون لرفض عنصرية أسلاف "الحوثي" القائمة على خرافة ما يسمى "آل البيت" يخترقون أفئدة اليمانيين العطشى لحرية من سوط الإمام وعُكفته الخاطئين، ومن أديم الحقل، أنتجت هذه الحركة جيلًا إثر آخر أعلامًا لهدى المواطنة المتساوية، حيث لا سيد ولا مسود، ولا هوية سوى اليمن، بإرثها التاريخي الحضاري الناجز .
بدأ التنوير في العصر الحديث بكلمة ارتجلها " محمد محمود الزبيري" ، فكمنت له الإمامة وراء منزل خرب، وأطلقت البارود إلى صدره، فكان دمه هِبة الحرية والسلام، ومن جذور أعمدة "معبد أوام" السبئي، انطلقت أذرع المقاتلين لتنال حظها من كبد المستوطن الإيراني، من تلبّس هاشمية الرسول المصطفى، لينسج حول مقدمه الغازي ضلالات تدعو لطاعته، ولم يكن الحظ الثقافي والفكري جادًا فيما مضى من سنوات الصراع العبثي، فاخترق "الحوثي" جدار الوعي، وكان الصوت الذي يعلو محذرًا هو صوت "التجمع اليمني للإصلاح" بداخل أروقة فندق موڤنبيك حيث دارت رحى الحوار الوطني، وعلى أديم "الجوف" المستعر .
قال الإصلاح في رؤيته لما يسمى "قضية صعدة" الآتي :
" لقد كان أخطر ما كرسته أنظمة الحكم قبل ثورة 26 سبتمبر في ممارساتها الظلم والاستبداد والإقصاء والتهميش لكل ما هو خارج عن رؤية الحاكم الفكرية "إلا في استثناءات قليلة جداً" وتكريس نظام اجتماعي طبقي سلالي يفرق ما بين اليمنيين على أساس العنصر، ومحاولة فرض هوية محددة على اليمنيين لا تتناسب مع واقعهم وفطرتهم.
لقد ورث النظام الجمهوري الذي أقامته ثورة 26 سبتمبر 1962م تركة خطيرة من الرواسب السلبية لعهود الإمامة وعلاقتها وفكرها الإقصائي، وفي مقدمة كل ذلك " إيمان" فئة محددة بأن حقها في الحكم قضية دينية لا يكتمل الإيمان إلا بها، وإن سعيها للسلطة عبادة ودين، واستحقاق مذهبي... وإن عدم تحقق ذلك يعني اضطهاداً دينيا موجهاً لها."
- رؤية واضحة مثل هذه كانت فريدة بين رؤى المكونات الأخرى، ولكنها غُيّبت لأن الإصلاح كان هدفًا، وقد وضع نفسه في تلك الزاوية، وهي مشكلته العضوية التي حوّلته دومًا إلى شيطان، رغم ما ينزفه من دم، وما يصرفه من رجال، وما يملكه من قدرة ليصبح حقًا العدو اللدود الأول لميليشيا الإمامة العنصرية.
أخطأ الإصلاح أو أصاب في موقفه من الربيع العربي، واحتكامه إلى الشارع، إلا أنه أسرع بالعودة إلى الحل، وهرول نحو "الرياض" مبتسمًا في حضرة ملك راحل، ووقّع عهدًا على مبادرة الخليج العربي التي أقرت الحل ورسمت خارطته وأهدافه، غير أن بأس اليمني على صاحبه شديد، فوقعت الواقعة التي ارتعد لها الإصلاح بكل فئاته وأعضائه، خوفًا من واقع يغير على اليمن، ولم يكن ثمة من يصغي.
تنمّرت القوى والمكونات ووسائل التواصل على الإصلاح، وتلذذ البعض فيهم، وكانوا ينزفون دمًا في الجوف مدافعًين بأعضائهم الكبار عن محافظة تتعرض للغزو في ظل مسرحية الحوار التي بعث الحوثي إليها ممثليه لإلهاء اليمنيين عن سلاحه المتراكم المتحرك، وعن غاراته البشعة في أنحاء متفرقة من الشمال .
وسقطت عمران، ثم كانت صنعاء هدية النزاع السياسي الأحمق لعدو لم يكن يريد من هذه الحرب سوى السلطة، والاستعداد لتحويل اليمن إلى معسكر ضخم لتمويل الأذى وإرساله إلى الجارة الكبرى بدعاوى مختلفة.
وكان الإصلاح يُحذّر، ويدفع الشهداء، ورئيس هيئة أركان الجيش اليمني - الأسبق - يُخبّر أصحابه فرحًا عن جندلة من أسماهم "عسكر الإصلاح" الذين قاتلوا وحدهم بشرف على حدود صنعاء، حتى فاضت تلك القرى بأرواحهم ودمائهم دون أن يراهم أحد.
في سيرة حزب منافس، كنت أنتخب مرشح المؤتمر الشعبي العام، وأعمد ما استطعت إلى إقناع أصدقائي بمرشحي المفضل، نسخر من مرشح التجمع اليمني للإصلاح وندبج الدعايات ونؤلف الحكايات ونبحث عن الخطأ فيه وفيهم، حتى نفوز أو نخسر، ثم نلتقي في أوان العصر حين تروي الشمس عطشها من برك الماء الغربي، على مقيل واحد معهم، وتصفو بعد انقشاع أغبرة الانتخابات حياتنا ونعود مخلصين لأحلامنا الصغيرة، ذلك هو الإصلاح كأي حزب، فيه من كل حبة، ولون، أنفس أخرى مضادة لا تشبه بعضها، لكنه على عمومه وغالب رجاله مخلص حد الموت في صراعه الوجودي مع الحوثيين، وتلك مزية تؤكدها الحقائق ويرويها الدم المتدفق من أنصاره الذين بلغوا رقمًا عصيًا على النكران، ومن يجحد في مقاتل وهب روحه فداء لعودة اليمن إلى أهله وعروبته فقد باء بإثم عظيم، وتنكر بنفاق مرير لما يجترحه الإصلاح كتنظيم ضخم في هذه المعركة الأسطورية، معركة اليمنيين نيابة عن العرب والأنفس السوية.