المال من أعظم الأمانات
كان مالا عاما أو خاصا
والمال العام أعظم.
وفرض تسليمه لأهله بالنص
والله سبحانه يقول : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء:58].
وأهل هذه الثروات والإيرادات والمنح هم عموم أفراد الشعب.
فيجب أداؤها إليهم
ويكون ذلك بتوريدها إلى خزينة الدولة وتوزيعها في مصالحهم
دون بخس أو تطفيف أو اختلاس أو مماطلة
...........
لقد هدد الله المطففين في النص القرآني.. بأشد العبارات والعقوبات
فقال سبحانه (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون)
..
لفت نظري هذا البعد الدلالي وهذه الدقة في الاختيار
للكلمة في النص القرآني
وحتى موضعها..
اختار لها المقدمة في افتتاحية السورة
بل وسمى السورة بهذا الإسم.. (سورة المطففين)
كأنه باب دستوري مختص بنوع من المجرمين المحترفين..
تسميتهم (المطففين)
تصنيف جريمتهم
وتشريع العقوبات الرادعة.
إن هذا الاختيار لهذه اللفظة (التطفيف)
في سياق التوعد الشديد بالويلات
والتي لا تستخدم إلا لجسامة الجرم.
دليل على فداحة التلاعب بالمال العام وعموم أموال الآخرين
في مناصب الدولة أو في السوق التجارية
تلاعبا بالسلع والموازين
أو في أموال الشركاء.
كل هؤلاء يشملهم البعد الدلالي في مادة اللفظة
وفي سعتها العمومية الشاملة لكل أنواع التطفيف وكل أنواع المطففين.
إن التطفيف منتزع من الشيء الطفيف اليسير جدا
ومن طف الشيء إذا تجاوز
وهي لفظة لا زالت مستخدمة لليوم
ولها معنى آخر من حيث الدلالة
وهي أن هذا الكائن المطفف متلاعب بخفة وحيلة
وفهلوه قد لا يتنبه لها البسطاء
يقتص ويقصقص ما طف من الشيء الخفيف والطفيف.
حتى لا يتنبه له
فيأخذ من هنا ومن هنا وهي مع قلتها تتكوم ملايين الملايين لأنه يسرق الطفيف من كل أحد... من الشعب.
.....
إن الشرع يحمي فتافيت الحقوق ويزنها ويعاقب على التفريط بها وهو هنا
يقنن التعامل مع المال العام وأموال الآخرين والسوق والشركاء
.........
فكل من استوفى حقه من مسؤولي الدولة من الرواتب والبدلات وغيرها.
وطفف حق الشعب.
فهو داخل في (ويل للمطففين)
فهذا المسؤول اكتال من الخزينة العامة واستوفى
وإذا كال الشعب أخسره وطففه. فويل له.
ما أعظم وزره وأقبح ذنبه.
وهو مستوجب للعزل والعقوبة في النظر الشرعي لأنه خائن
للأمانة
أما من لم يؤد ما عليه نهائيا
أو فرط قادرا على ذلك
فهو غاش لرعيته حرم الله عليه الجنة بنص الحديث. ..
ومن اختلس من المال العام وزن المخيط
فهو غلول يفضحه الله به يوم القيامة
فهذا مختلس وزن الإبرة
وذاك مختلس الشيء الطفيف
انظر كيف توعدهم الله وهددهم.
فما بالكم بمن يغترف المال العام بلا حساب..
ومبهرر لا في حالة تطفيف
بل تجريف...
والوعيد القرآني يفتح الباب لإنزال عقوبات مناسبة
أمام الجريمة
وهي هنا المحاكمة والعزل ونزع أمواله المكتسبة بعد الولاية حسب النظر القضائي
والتعزير بكل روادع العقوبات
وقد امتنع النبي عليه الصلاة والسلام
فلم يصل عليه صلاة الجنازة
ومن استوفى حقه وطفف في حقوق الآخرين فويل له
كان تاجرا أو موظفا أو شريكا أو قائدا..
أو كائنا من كان.
.......