قبل ثماني سنوات، كنت أقول لمن أتحدث معهم من دبلوماسيين وباحثين أوروبيين وفرنسيين تحديدا أن القبول بانقلاب في اليمن يعني فتح بوابة الجحيم على أفريقيا وشرعنة الانقلابات.
حينها كان النظر إلى اليمن يتم حبا أو بغضا للسعودية ومن هذا الخرم الضيق.
حينها كانت المنظمات الدولية لا تخفي ازدراءها للسعودية وذهبت تحصي كل غلطة للتحالف فارضة سردية تعسفية للشأن اليمني: بلد جار غني بأسلحة غربية يقتل اليمنيين.
في إحدى المرات، حضرت فعالية في قاعة ضخمة تاريخية في قلب باريس لمنظمة دولية. لم أحتمل خطاب رئيسة منظمة دولية كبيرة، مغالطات ومقت فاضح تجاه السعودية. جعلت هذه المنظمات من بيع السلاح للسعودية القضية الأولى في الصحف والمؤتمرات والندوات على حساب المركز القانوني للأطراف اليمنية والعملية الانتقالية.
لا وجود لمفردة انقلاب. بل تعمدت فكرة أن لا نهاية عسكرية للصراع في اليمن. ليس لليمنيين الحق في انتزاع حقهم.
كنت أعرف أن هذا الخطاب على حساب القضية اليمنية وعلى حساب المرحلة الانتقالية وعلى حساب الحقوق الأساسية لليمنيين. غادرت عملي الدبلوماسي بشكل درامي بداية 2018. لكن الدراما الحقيقية تتعاظم في اليمن وفي الدولة المحيطة وفي أفريقيا تحديدا.
في اليمن، أنجزت مؤخرا الجماعة الحوثية مهرجانا تبذيريا لإحياء مناسبة طائفية لا ناقة ولا جمل لليمنيين فيها. مجرد تكريس للخرافة والكهنوت والحكم الطائفي.
في العام التاسع يحشو الحوثيون أدمغة أطفال اليمن بخزعبلات وخطاب كراهية ويعبئون عقولهم في كراتين أحقاد القرن الثامن الميلادي.
اليمن ممزق أكثر مما مضى وأقرب إلى انهيار اقتصادي ومجاعة حقيقية وليس دعائية لجلب الأموال.
الشرعية محاصرة ولا تستطيع استيراد قطعة حديد أو جهاز جديد دون رقابة خليجية ودولية بينما الحوثي يحصل على تكنولوجيا مضادة للطيران حديثة ويطور من تصنيعه الحربي.
تعبت السعودية من تلك المعركة وقررت إهدار الشرعية بينما يتقوى الحوثي عسكريا ومعنويا ويمعن في انتهاك حقوق المواطنين. دولة الخليج أكثر هشاشة أمام إيران.
ليس أمام إيران فقط. بل أيضا أمام الحوثي القادر الآن على الوصول إلى درر المشاريع السعودية والإماراتية. أما أفريقيا فقد شهدت منذ صيف 2014 أكثر من 18 محاولة انقلابية.
أسوأ من هذا أن أفريقيا أهدرت فرصة الانتقال الديمقراطية وقوضت فرص النمو.
بل أصبحت ساحة معركة نفوذ عبر أدوات غير دولتيه؛ جماعات إرهابية متطرفة تقصم القارة من وسط الغرب إلى وسط الشرق وتثير صراعا دينيا اثني لا مثيل له.
وهي الآن ساحة صراع بين الصين وروسيا من جهة والغرب من جهة أخرى وتمثل أكثر انعكاسات الحرب الأوكرانية. تعبث بها القوى الإقليمية الصاعدة بأقل التكاليف.
انقلاب من رحم انقلاب ومغالطات تاريخية وحضارية وانتقال من معسكر إلى آخر بلا موازين استراتيجية. لقد أذن في الأرض بالخراب.