;
ياسين التميمي
ياسين التميمي

وثيقة الرياض الحضرمية تقوض الاستحقاقات السياسية الجنوبية لاتفاق الرياض 798

2023-06-21 21:27:51

حضرموت بعد إقرار الوثيقة السياسية والحقوقية الناتجة عن مشاورات الرياض الحضرمية، ليست كحضرموت ما قبل الوثيقة. لقد تلقى المجلس الانتقالي الجنوبي رداً مزلزلاً لطموحاته وادعاءاته المهددة للدولة اليمنية في محافظة حضرموت، أسقطت السعودية ولايته السياسية على هذا الإقليم الكبير الواقع شرق البلاد، في تطور ينبغي أن يُقلق كل اليمنيين وليس فقط المجلس الانتقالي الجنوبي الذي سبق وأن تم توظيفه للعب دور بنفس المستوى من الخطورة، أورث وهناً لا سابق له ضرب حيوية الدولة اليمنية ونفوذها بل ووجودها على الأرض المحررة.

السردية هي السردية، تبدأ أولاً بتأسيس مناخ متوتر تجاه الدولة المركزية، وهذا المناخ يتأسس على مظلمة وقضايا، وهذه المظلمة تتحول إلى حصان طروادة لتمرير المشروع السياسي الجهوي. هذا التسلسل شهدناه قبل ولادة المجلس الانتقالي الجنوبي، مع فارق أن الانتقالي ورث قضية أنتجتها حرب ظالمة خلفت وراءها مظلمة مست حياة ووجود جزء مهم من الشعب اليمن في جنوب البلاد. وهذه القضية أخذت أبعادها الوطنية كاملة، حيث أُدمجت ضمن نقاشات مؤتمر الحوار الوطني (2013)، ووصل المؤتمر بشأنها إلى نتائج واضحة وهي دولة اتحادية من (6) أقاليم ضمن تصور كامل لإصلاح الدولة على كافة المستويات والمسارات.

حضرموت، تعود مظلمتها إلى مرحلة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ونتجت في الأصل عن ممارسات شمولية، نفذتها السلطة اليسارية (الشيوعية) الحاكمة التي كان الساسة الحضارم يحظون بنصيب وافر منها، وطالت كل مناطق الجمهورية آنذاك وليس فقط حضرموت.

استدعيت هذه المظلمة مجدداً بعد أن أدرك أبناء حضرموت أن المجلس الانتقالي يعيد فرض الوصفة السياسية الجهوية ذاتها على محافظتهم، وبنبرة انفصالية متعالية تدعي أن اليمن الجنوبي عائدٌ مجدداً كدولة على أنقاض الجمهورية اليمنية.

مسعى الانتقالي لفرض الانفصال، رغم المسارات المتعددة التي استوعبت هذا المشروع ضمن مؤسسات الدولة اليمنية، بدا محموماً ومستهتراً باليمن، وتبنى خطاباً سياسياً وإعلامياً مترعاً بالحدة والتسقيط والإساءات بحق اليمنيين، والمكونات الجهوية للدولة اليمنية. ونالت محافظة تعز وأبناؤها على وجه التحديد، نصيباً وافراً من الاستهداف الانفصالي.

بل أن الانتقالي اعتمد مبدأ التمييز المناطقي للمحافظات الجنوبية العائدة إلى مرحلة جمهورية اليمن الديمقراطية، عما سواها، حتى أنه سارع إلى التخلي عن المكاسب الجغرافية التي كانت أُضيفت بعد الوحدة اليمنية رغم أهميتها الجيوسياسية في تصرف عبر عن مراهقة سياسية غاية في الحماقة.

اتفاق الرياض ومساره اجترح في أعقاب أزمة انخرط فيها الانتقالي تحت أنظار التحالف ودعمه، وكان هدف احتواء التوتر السياسي، لكن خطورته تمثلت في أنه شرعن للخطاب الانفصالي وحول الانفصال إلى بند في الأزمة والحرب وتحول الانتقالي إلى حامل سياسي للانفصال يتمتع بنفوذ سياسي وعسكري واسع في الدولة اليمنية.

إنه المسار ذاته الذي مضت فيه قضية حضرموت برعاية سعودية كاملة، استطاعت أن تُحيِّدَ النفوذَ الإماراتي، ولكن بحذر شديد، ولا تزال تواجه تبعات ذلك النفوذ والمتمثل في لواء بارشيد، وفي العقيدة العسكرية للقوات المسيطرة على ساحل حضرموت عموماً.

المسار الحضرمي، بدأ بإنشاء تحالفات شديدة التناقض عكست حالة الاستقطاب وتوزع هذه التحالفات، بين المؤثرين الإقليميين الرئيسين: السعودية والإمارات. لكن وبالنظر إلى تفوق النفوذ الإماراتي والذي أخذ يتطور إلى محاولة لتدخل عسكري معلن من جانب الانتقالي في حضرموت، رغم نقل السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي، فقد سارعت السعودية في انتهاج مقاربة جديدة وفعالة ومباشرة من خلال وقف التدخل العسكري، والشروع في تأليف جبهة حضرمية جديدة، خصوصاً بعد أن تعمد المجلس الانتقالي ورئيسه نهج أسلوب استفزازي واستعراضي في المكلا في أوائل مايو الماضي.

وفي قراءة سريعة للوثيقة السياسية والحقوقية التي أُعلن عنها في 20 يونيو/ حزيران من الرياض، سنجد أنها تؤكد على ما أسمتها "المظالم الجسيمة التي لحقت بالشّعبِ في حضرموت" وتؤكد حق "المجتمعات المحلية في تقرير وإدارة شؤونها"، وتؤكد كذلك "أنّ وحدةَ حضرموت وحق أبنائها في إدارة شؤونهم الاقتصادية والسياسية والأمنية، ستظل هي الأولوية القصوى للمكونات والقوى الحضرمية"، وهو ما سنراه يتطور لاحقاً إلى نص على حق تقرير المصير.

وإلى أن يصبح لمجلس حضرموت الوطني نصيب عادل في الدولة اليمنية، أقرت الوثيقة "تحييد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي وأعضائه وهيئاته المساندة وقيادات السلطة العليا، وعدم توظيف أو استخدام مهامهم الدستورية لتحقيق مكاسب سياسية" لتجنب الدور المعيق الذي قد يتسبب به نفوذ المجلس الانتقالي الطاغي على مؤسسات الدولة في المرحلة الراهنة.

الوثيقة نصت على حق "الشعب في حضرموت عبر مكوناته المختلفة في المشاركة العادلة في صناعة القرار السيادي، والتمثيل في الغرف البرلمانية والهيئات الحكومية والاستشارية والتفاوضية بما يضمن حماية المصالح الحيوية لأبناء حضرموت بشكل مستقل". ووجهت ضربة قاصمة للعقيدة العسكرية للقوات التي يقودها عيدروس الزبيدي، عبر دعوتها الحضارم إلى "المشاركة في صياغة إعلان مبادئ على نطاق واسع يضمن تماسك الجبهة الداخلية، وردع أي تهديدات تستهدف حضرموت".

استفاد الحضارم من أخطاء المجلس الانتقالي، عبر دعم "إجراءاتٍ تدريجية تسعى لمعالجة المظالم وإيجاد آلياتٍ متوافق عليها للانتقال إلى التسوية السياسية النهائية، دون إلغاء رغبات المجتمعات المحلية في إعادة تقرير مصائرها عبر مؤسسات الحكم المختلفة". وهو تحريض صريح على الذهاب نحو تأسيس دولة مستقلة في حضرموت.

المنتج الأبرز لهذه الوثيقة هو مجلس حضرموت الوطني، الذي تشكل ليكون "حاملاً سياسيًا معبرًا عن طموحات المجتمع الحضرمي"، على أن يضم أعضاء الوفد الحضرمي المشاركين في مشاورات الرياض ٢٠٢٣م، والوزراء، ومحافظ المحافظة والوكلاء والوكلاء المساعدين، وأعضاء مجلسي النواب والشورى الحضارم، ونواب الوزراء الحضارم، ‏القادة العسكريين والأمنيين الحضارم، ‏رؤساء المكونات الحضرمية،‏ والأكاديميين، وقطاع المرأة،‏ وقطاع الشباب، و‏ منظمات المجتمع المدني، وممثلين عن المهاجر الحضرمية، وشخصيات اعتبارية"، وأبقت الوثيقة "البابَ مفتوحاً لانضمام القوى والشخصيات الفاعلة والمتبنية لرؤية المجلس "في إشارة على ما يبدو إلى من لايزالون جزء من مشروع المجلس الانتقالي والنفوذ الإماراتي.

الوثيقة أكدت أن" مجلس حضرموت الوطني بدأ اتصالاته مع مستويات السلطة المركزية والمحلية في كل ما يتعلق بمشاورات الحل النهائي في اليمن"، فيما يمثل إحلالاً كاملاً لهذا المجلس بالمجلس الانتقالي، واستحواذاً على ولايته التي نص عليها اتفاق الرياض.

لم تكتف الوثيقة بذلك بل تضمنت اعلان مبادئ يتضمن "آلياتٍ ضامنة لحماية المصالح الحيوية لأبناء حضرموت وهويتهم الثقافية والتاريخية وفقاً لمعايير المساحة والسكان ومساهمتها في الميزانية العامة للدولة"، و"تعزيز القوات المسلحة والامن بدماء جديدة من أبناء حضرموت، وتحسين موقفها الميداني والتسليحي ومنع إنشاء أي تشكيلات عسكرية خارج مؤسسات الدولة"، وتضمنت طلباً صريحاً من قبل المكونات الحضرمية في المجلس من "مجلس القيادة الرئاسي، وتحالف دعم الشرعية، بدعم تنفيذ مقررات المشاورات الحضرمية في الرياض ۲۰۲۳ م ، وتبني اجراءات تدعم هذا الإعلان".

هذا الطلب جرى تنفيذه من قبل السعودية التي شارك سفيرها محمد آل جابر في المشاورات الحضرمية وكان حاضراً في جلسة إعلان الوثيقة السياسية والحقوقية، وقام الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي باستقبال قيادة مجلس حضرموت الوطني.

 ويبقى التحدي في صدور بيان من مجلس القيادة الرئاسة يرحب بهذه الوثيقة، وعما إذا كانت السعودية ستكتفي بالدعم الذي قدمه رئيس المجلس الدكتور رشاد العليمي، وهل ستضمن دعماً إماراتياً كذلك.

shape3

وفي المحصلة لقد بات الجنوب جنوبان، وقد يصبح أكثر من جنوب، وهي محصلة متوقعة دفعت إليها حماقات أولئك الذين اعتقدوا، أن الدولة الجنوبية ستعود بمجرد إعادة البراميل إلى المنافذ الشطرية السابقة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد