يبدو أن زيارة الوفدين السعودي والعماني لصنعاء أواخر مارس الماضي، كانت آخر الفرص السياسية التي رمتها الرياض في ملعب الحوثي، فلم يحسن هذا الأخير اقتناصها، على غير عادته في اقتناص الفرص، منذ أن وضعت الحرب أوزارها في أواخر مارس 2022، حيث أحرزت جماعة الحوثي الكثير من المكاسب، بعد أن تم تسويقها كطرف منتصر، كونها صاحبة الطلقة الأخيرة في هذه الحرب، ففي الخامس والعشرين من مارس 2022 ، وهو الموعد الفعلي لإسدال الستار عن آخر فصول المسرحية التراجيدية التي شهدها اليمن، أطلق سلاح الجو الحوثي دفعات من الصواريخ الباليستية والمجنحة وسلاح الجو المسيّر، على مصفاة رأس التنورة ومنشآت نفطية أخرى في نجران وجيزان...
وبدا المشهد حينها أشبه باحتفال كرنفالي منه بحرب عابرة للحدود، لم يكن اختيار هذا التاريخ من قبيل المصادفة، فاليوم التالي هو الذكرى السابعة لعاصفة الحزم، لقد تم تصوير هذا الهجوم الحوثي على السعودية بشكل مبالغ فيه، وتناقلته الفضائيات على نحوٍ قُصد منه تعظيم قوة الحوثي وإظهاره كقوة ضاربة، وعلى غير العادة، لم تقم السعودية، التي تقود التحالف العربي في اليمن، بأي رد عسكري، بل على العكس من ذلك، سارعت لدعوة الأطراف اليمنية، بما فيها الحوثيون للمشاركة في مشاورات الرياض، وإن لم يستجيبوا، فلم يمض سوى أسبوع واحد على الهجوم الحوثي حتى تم إعلان هدنة، أبرمت في 2 أبريل، وحملت سمة الهدنة الأممية، ومدتها شهران، تم تمديدها لفترتين، أخريين انتهت في 2 أكتوبر 2022.
وعلى الرغم من مخاوف المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ وإعرابه عن قلقه من عدم تجديد الهدنة، إلا أنه في الواقع لم يكن هناك ما يستدعي القلق، فالحرب قد انتهت فعليًا في 25 مارس 2022، وتوقيع الهدنة وتمديدها لم يكن سوى تحصيل حاصل، غايته تمكين الحوثيين من حصد مكاسب سياسية واقتصادية إضافية تستجيب لبعض تطلعاتهم لحصد المكاسب، وما إن تم توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في فبراير 2023، حتى انخفضت المخاوف الأمنية للسعودية، وبتأمين حدودها الجنوبية وإطلاق سراح آخر أسراها كان على الحوثيين أن يدركوا أن الرياض ستدير ظهرها للأزمة اليمنية، وأن عليهم انتظار ليلة القدر للجلوس على طاولة التفاوض مع السفير السعودي مرة أخرى.