لم يجد واضعو "الميثاق الوطني الجنوبي" حرجاً في تسمية "الشمال" باسمه السياسي والقانوني السابق لوحدة 1990م: "الجمهورية العربية اليمنية"،
لكنهم امتنعوا عن تسمية "الجنوب" باسمه السياسي والقانوني السابق لوحدة 1990م: "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية".
هناك مرة واحدة تقريباً ورد اسم "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" لكن في سياق الحديث عن الماضي.
فحين يكون الحديث عن الحاضر، فالاسم الذي يتكرر في الوثيقة هو "الجنوب" فقط، وأما عن المستقبل فقد نصّ البند السابع من الميثاق على أن "شعب الجنوب يقرر اسم دولته المنشودة المجسد لهويته الوطنية والثقافية والبعد التاريخي والحضاري، ضمن الاستفتاء على الدستور".
ما يعني -وهذا هو الظريف في الأمر- أن من كتبوا الوثيقة قرروا بالنيابة عن أبناء الشمال اسم دولتهم بل وحدودها ونظامها، في حين تركوا اسم الدولة المطلوبة في الجنوب للاستفتاء لاحقاً.
والمتابع يعرف أن لفظ "اليمن" بحد ذاته هو الذي ألجأهم إلى تأجيل البت في الاسم، فتعدد مادة الخطاب التاريخي والأدبي الانفصالي وتعدد الزعامات والحركات المنادية بالانفصال جعل من كلمة "يمن" مثار إشكال وخلاف، ولا أحد منهم يحب الاصطدام بهذه النقطة الحساسة في الوقت الحالي.
وبالتالي، صار أسهل على أنصار الوثيقة الاتفاق على من هو "الشمال"، من الاتفاق على من هو "الجنوب"، رغم أنهم يحددون الجنوب كجغرافيا بحدود "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، أي أنهم متفقون على المسمى ومختلفون على الاسم.
غير أن الاسم في مثل هذه الحالات أكثر من مجرد كلمة!
ما ينبغي التذكير به هو أن "الجمهورية اليمنية" لا تزال التسمية القانونية للدولة في إقليم اليمن، حتى لو اختفت بعض معالم هذه الدولة على الواقع بفعل الحرب.
منطقياً، إذا كان الانفصاليون يؤسسون دعوى الانفصال على وضع تاريخي قديم كان فيه الجنوب دولة مستقلة مُعترف بها، رغم أنها دولة حلَّتْ نفسها دون رجعة بالوحدة الاندماجية عام 1990م مع دولة الشمال التي حلَّتْ نفسها هي الأخرى دون رجعة، فمن غير المتوقع أن يتخلى -ببساطة- الوطني المؤمن باليمن الواحد عن الوضع القانوني الدولي الشرعي لـ "الجمهورية اليمنية".
بمقدور الخليجيين تمويل وإعداد حركة انفصالية في الجنوب، لكن ما ليس بمقدورهم على المدى البعيد هو الالتزام بحماية ثابتة لكيان سياسي منفصل في جنوب اليمن.
وهنا نقصد الحماية ضد إرادة التوحيد الوطنية اليمنية التي ستظلّ تعبّر عن نفسها بطرق كثيرة طوال الوقت شمالاً وجنوبا.