العام التاسع للحرب بدأ دون بصيص أمل لحلحلة حالة اللاحرب واللاسلم، فدولتي التحالف فقدت مبادرة الحرب والسلم في اليمن، فلا هي تستطيع تصعيد العمل العسكري ولا تريد وقف الحرب دون أن تحقق انتصارات حقيقية توفر لها موقفا تفاوضيا فاعلا .
في حين غدت ميلشيا الحوثي هي من تحدد كيفية نهاية الحرب وزادها ثقة التوافق السعودي الإيراني الذي يعتبر انتصارا لإيران بكل المقاييس ومحاولة خروج السعودية من تورطها في حرب اليمن بأقل الخسائر.
منذ أكثر من أربع سنوات وتوقف ما يسمى بالشرعية من تحرير الحديدة التي كانت قاب قوسين لتتورط باتفاق "ستوكهولم" السيئ الذكر والذي قوى من شوكة الحوثي
ويومذاك دخلت الحرب اليمنية مرحلة مستعصية على الحل حتى أصبحنا على مشارف العام التاسع، وبداهة غدا واضحا أنه ليس هناك في المستقبل المنظور لا حسم عسكري، ولا سلام حقيقي فقط هدنة هشة غير معلنة منذ ما يقارب العام والحديث عن احتمال اتفاق لنهاية الحرب ليس بالضرورة سلام دائم، بل حرب تلد أخرى.
فبدون تسوية سياسية بتحقيق الغاية من الحرب الطويلة، سينتهي بتجذر حركة الحوثي وتعزيز دور إيران مستقبلا إلى جانب محاولة السعودية استمرارها في لعب دور تخريبي، وارتهان النخب الحاكمة المرتهنة بضخ الأموال لمراكز قوى وميلشيات كما فعلت في مطلع السبعينيات بعد حرب الجمهوريين والملكيين.
فرضية تسوية عادلة دائمة غدت مجرد حلم وحتى الهدنة مشكوك في استمرارها فربما يستغل الحوثي حالة البرزخ الحالية ليخوض آخر مغامراته بإسقاط مأرب ومن ثم يفاوض من موقع أقوى مما هو عليه.
فقد دخلت الحرب اليمنية مرحلة مستعصية على الحل، فليس هناك في المستقبل المنظور حسم عسكري، ولا إمكانية لتسوية سياسية، أو حتى هدنة شاملة أو جزئية تخفف من حدتها.
ويرجع ذلك إلى طبيعة الحرب، التي هي خليط غير متوازن من الحرب الأهلية والإقليمية والتدخلات الدولية، فالصراع القائم في اليمن والعمليات العسكرية والمبادرات الديبلوماسية الجارية ليست تعبيرا عن صراع داخلي مستقل قائما بذاته، وإنما يمثل وجها من وجوه صراع مركب متعدد الأطراف، تتداخل فيه مصالح إيرانية وأميركية وسعودية وإماراتية وخليجية وغيرها، كما تتداخل فيه عوامل طائفية ومناطقية وثقافية وسياسية وجهوية من جانب آخر.
ونتيجة لمسوغات تراكمية أفرزتها سنوات الحرب وتواطؤ النخب السياسية لما يسمى بالشرعية وخذلان وتآمر التحالف، وعليه يقف المراقب لتطورات هذه الحرب في حيرة من أمره، فلا يمكن لأي راصد ومتابع للشأن اليمني أن يحلل ويتوقع بما ستؤول إليه الحرب، بمعزل عن الصراعات والتناقضات العميقة، بين مكوناته الاجتماعية والقبلية والطائفية والجهوية، وفساد الحكومات السابقة خلال أربعة عقود مضت وحتى عشية بداية العام التاسع لحرب التحالف.
وبعد نحو ثماني سنوات لتنكيل دولتي التحالف بهذا الشعوب المنكوب، أصبح اليمن مرهونا برسم الحسابات والصراعات الإقليمية والدولية، وهو نوع من الحروب الذي يمكن أن يطول على أرض اليمن، في وقت يبدو فيه السلام المنشود بعيدا.
ومع تزايد الصراعات الداخلية، وتباين المصالح بين الرياض وأبو ظبي، والصراع السعودي الخليجي الأميركي مع إيران، فسيظل الوضع يستنزف اليمنيين والعرب والمسلمين ومواردهم، وكلها مؤشرات تستبعد احتمال التوصل إلى حلول جدية قريبة تنهي الحرب في اليمن.
لعل من نافلة القول بأن السلام في اليمن، بحاجة إلى إرادتين، إحداهما داخلية، وهي الأهم، ولن تتأتى إلا من خلال إقرار كافة الأطراف بعبثية الصراع والعودة بالأمور إلى ما قبل الانقلاب الحوثي، من خلال استكمال الحوار الوطني والتوافق على إدارة مرحلة انتقالية، إلا أن هذه الخطوة تبدو مستحيلة نوعا ما، بسبب ممانعة الحوثيين وانتشار المليشيات الأخرى التي باتت تستند لترسانة أسلحة مدعومة بمواقف القوى الخارجية.
البدايات سوغت للنهايات، فالسنوات الأخيرة للحرب هي التي هيأت لهذه المرحلة، فقد شهدت العام المنصرم جملة تطورات بداء بفرض شرعية أخرى من خارج الحدود بأعضاء الإخوة الأعداء ومكونات غير متجانسة، وأحداث وتحولات سياسية، أكثر منها عسكرية، منها الوساطة العمانية، والغزل السعودي مع حركة الحوثي، بمعزل عن الشرعية بذريعة اعتبارات إنسانية، مع أنه تجاوز ذلك لاستجداء سعودي لحركة الحوثي.
وعسكريا غدت تفاصيل خرق الهدنة الهشة فقط بين الجانب التحالف والسعودية تحديدا والسعودية غارتها هو الانسحاب تدريجيا يبدأ بتحييدها وتجنب التهديد الحوثي المستمر بصواريخ ومسيرات هذه الميلشيات، في حين استمرت مناوشات أكثر من مرة بين الجيش الوطني والحركة الحوثية .
من ضمن أخطأ الشرعية والتحالف على السواء، بأنهم يمنوا الطرف الانقلابية لإمكانية المشاركة في كعكة مستقبلية لتقاسم السلطة، مع الجزم بأنها حركة إرهابية انقلابية، بينما يتقاسمون السلطة مع الانقلاب المستنسخ عمليا، ومنذ نحو عام، وفي هذا تناقض صارخ في هكذا ثوابت.
فإيهام طرفي الانقلاب الحوثي شمالا ومؤخرا انقلاب "الانتقالي" جنوبا، والوعد بنصيب في كعكة السلطة، مهما فعلوا وعليه فأنهم لا يلامون، فإن انتصروا بالغلبة استمرار لطبيعتهم الحربية والفتوحات فليكن، وإلا فمكانهم محجوز بثلث السلطة مستقبلا، فمكافأة طرفي الانقلاب في صنعاء وعدن وهما سبب اندلاع الحرب واستمرارها.
إجمالا لم يكن اليمنيون أو أغلبهم يتوقعون خذلان التحالف عندما أيدوا عاصفتهم في الشهور الأولى، ولعدم انتقال مؤسسات الشرعية إلى العاصمة المفترضة عدن قد أثار شهية الإمارات للتدخل في المحافظات الجنوبية والشرقية، ونكبة اليمن اليوم هي أن الشعب ضحية التنكيل به من قبل الغازي "الوطني" والخارجي، بين شرعية ضعيفة، وتحالف متخاذل شن الحرب تحت لافتة تختلف كليا عما يجري اليوم على واقع المشهد السياسي والعسكري، والهزيمة المعنوية الكبرى الذي تلقاها اليمنيون كانت بسبب ركونهم على التحالف.!
* كاتب يمني وسفير في الخارجية