المتغيرات السياسية الجديدة تجاه إيران هي تخصنا نحن كيمنيين بالدرجة الأولى، وتعنينا مباشرة، كون جماعة الحوثي أداة دخلت بمسار التفاوض، وكانت ولا تزال وسيلة ضغط وابتزاز تستخدمها إيران لتحسين الشروط، ومقياس نجاح العلاقة الجديدة بين الأطراف، يعتمد بشكل أساسي على إخضاع الحوثة وإسكات ضجيجهم وحصر تأثيرهم، وما أسهل أن يستجيب الحوثيون حين يأتي الأمر من إيران.
النقاش حول مسألة تبعية الحوثيين لإيران فكرا وسياسة واقتصادا، أراه مضيعة للوقت والجهد، لإن تبعية الجماعة للمحور الفارسي تؤكده الأحداث التراكمية منذ ما قبل 2014م، وهي تبعية تفتخر بها الحوثية وتفاخر بها، وترى فيها اعتقاد ديني يتجاوز المنطوق السياسي والإجتماعي والأطماع والأحلام التوسعية للخمينية الجهادية، ولا يحتاج الإنسان لمجهود ليعرف أن طهران لم تكن لتتواجد في اليمن لولا الجماعة الحوثية ، وهذا ما تؤكده التقارير الدولية والحقائق والأرقام، والإستخدام الإيراني لهذه الحركة تجاوز كل حدود المعقول والمنطق الإنساني.
وبالنظر لكل ما جرى ويجري، مهم أن نفهم السياق والمآلات ، وهل الحوثي جماعة تمتلك الحد الأدنى من الحس التفاوضي، وعلى ماذا تفاوض أصلا، إذا كانت صنيعة خارجية بالكامل، ولها أهداف لا علاقة لها قطعا باليمن الوطن والشعب، ولا تمتلك رؤية ولا مشروع إلا تلك الرؤية التي جهزت له للتنفيذ، أي أنها صنعت في الخارج، ولأهداف لا تلامس المجتمع اليمني ولا تشبه الواقع الداخلي، ومعزولة كليا عن واقع اليمنيين، ومن هنا يأتي القول إن مليشيا الحوثي مجرد أداة لا رغبة لها ولا قرار ولا إرادة.
الحوثيون يتحركون داخل المربع الذي رسمته إيران، يفاوضون حول القضايا المحددة إيرانيا، لا يمتلكون حس التفاوض ولا البروتوكولات البدهية في الحوارات، ليسوا أصحاب قرار ولا يمتلكون شجاعة الموافقة أو الرفض، لذلك فالنقاش معهم هو لا أكثر محاولة إيرانية لإيجاد مسحة ترفع الحرج عن كون أذيالها غير تابعين، لكنها طبخة لا تصمد عند المواجهة والتوقيع والإقرار، وأطهر حقيقة تلزم رضى طهران، وهي من تقول وتفعل وتنفذ وهم فقط يسمعون ويطيعون، وقد حدث أن انتظروا طويلا من أجل التوقيع حتى جاء الفرج والخلاص من غيرهم.
الحوثي، كجماعة قادمة من خارج الحقل السياسي، والعمل الحقوقي والمدني، على النقيض من السلام، أساس تكوينه ونشأته وظهوره لا يمت لحقوق الإنسان أو الفعل السياسي بصلة، بل هي نشأة اعتمدت بشكل أساسي على العنف ثم السلاح لفرض الفكر والمعتقد والوجود، ولأنها تعيش في غربة داخل المجتمع اليمني ومعزولة عنه، تجد في السلاح خيار استراتيجي لضمان بقائها واستمرارها، ترى في العنف غاية مثلى لتحقيق التوسع والإنتشار ، وبدون هذا كله، لا يمكن أن تتواجد أو تبقى، وزيادة على كل هذا يأتي العامل الخارجي المتمثل بإيران، التي تستخدمه لتحقيق أهدافها الإيرانية، كل هذا يؤكد ويثبت أن السلام مع حركة هذا هو طبيعة وجودها صعب المنال، وحتى وهي تتحدث سياسة، تستخدم ذلك للنفاذ للمجتمع وإيجاد موطأ قدم لإيران، أي أنها مطية لفرسنة اليمن وتغيير بنيته.
الحوثي صنيعة الخارج، ويقف على النقيض تماما من السلام ومبادئ حقوق الإنسان والمرأة والدولة المدنية، بلا رؤية ولا أمل ولا مستقبل، هو فقط في مهمة لإحلال إيران وإدخالها، يعمل بإخلاص وبكل ما في وسعه لتحقيق هذه الغاية، وهو يتفاوض لإنجاز هذا الهدف، ولهذا الرهان هو بالاتفاق مع الإيرانيين وتحجيم نفوذهم في اليمن، وحين يتحقق الحد الأدنى من هذا، يمكن القول إن السلام كصيغة مستقبلية ممكنة الحدوث وقابلة للتنفيذ.
الحوثي يفاوض على القضايا التي وافقت على التفاوض فيها إيران، وهي من توقع موافقة كانت أو رافضة، سقف الطموح والأهداف ليس بيديه، تعريف النصر أو الهزيمة خاضعان للمزاج الإيراني، يسافر ويدخل معركة تفاوضية وهو لا يعرف لماذا سافر وعلى ماذا، ولهذا تحقيق السلام أو إيقاف الحرب يعتمد على التفاوض مع طهران، والاتفاق معها، ووقتها سيخضع عبدالملك الحوثي ويصمت إلى أن يقرر خامنئي غير ذلك.
* المصدر أونلاين