من بين كل الممارسات التي تنتهجها الحوثية في حق اليمنيين، منسجمة بذلك مع الإمامة في نهجها التاريخي، يأتي تفجير المنازل كتجلٍّ أقصى لاستحالة أن تكون هناك أدنى إمكانية لسلام معها لا يبنى على هزيمتها العسكرية الكاملة الناجزة والنهائية.
إن تفجير المنازل بعد تهجير أهلها هو ممارسة تفصح عن أمر يتجاوز الحرص على تحقيق الانتصار. هو إفصاح عن رغبة في المحو الوجودي للكائن، محوه ليس فقط كذات إنسانية موجودة وإنما حتى كأثر يمكن أن يُستدَل به على الوجود التاريخي لهذه الذات. أكثر من ذلك: هي رغبة في جعل الأثر الوحيد الذي يمكن أن يدل على الذات المهزومة مانعاً لأي جسارة جديدة: أن يخشى الآتون ألف مرّة أن يقوموا بأي من أفعال أولئك الذين تجرّعوا هذه الإهانة القاسية، هذه المحاولة العنيفة للاستئصال.
هكذا يمكن قراءة هذه الفعل حين يأتي من سلطة مستبدة في وضع اللا حرب. أما حين يحدث في الحرب فإنه على العكس يفصح عن ضعف من يقوم به لا عن سطوته.
تفجير المنازل هنا هو وسيلة إرهاب للمخربين أنفسهم الذين يقومون بهذه الجريمة، وسيلة تنتهجها الحوثية من أجل تحقيق المزيد من استبسال أفرادها. بهذا الفعل المهين والمتجاوز، تتعاظم الضريبة التي سيضطر القائم بها إلى دفعها حال خسارته، فيمضي يستشرس في القتال ليس طلباً لغنيمة متوخاة وإنما خوفاً من مآل الهزيمة، المآل الذي يحرصون الآن على جعله سوداوياً للمدى الأقصى.
من جهة أخرى، تفكر العصابة الحوثية بأن هذه الممارسة حين تُلصق بأفراد من قبائل يمنية فإن هذا سيعمل على تعميق ثارات بين اليمنيين أنفسهم تنسيهم الفاعل الرئيسي الذي ألحق بهم كل هذه الإهانات وكل هذا الدمار، لكن واقع الأمر أن كل جريمة من هذا النوع تراكم في الوجدان اليمني ثأرين اثنين: الأول، وهو الأكبر، ثأر اليمني تجاه السلالة، والثاني هو ثأره ممن قبلوا على أنفسهم أن يكونوا الأدوات.
فوق هذا كله، فإن هذه الممارسة هي إفصاح عن القناعة العميقة للسلالة بأنها محض طارئ على هذه الأرض، القناعة التي تنعكس في هذا الفعل الهمجي، الفعل المعبر عن الحلم المستعصي للسلالة، والذي يعكس عقدة نقص لن تبرأ منها السلالة أبداً، عقدة الطارئ تجاه ما هو أصيل: إنه حلم التجذر في هذه الأرض التي تعرف أهلها جيداً، تعرفهم وترعاهم وإن توسدوا صخورها وسكنوا على ظهرها الخيام، الأرض التي ستبقى السلالة فيها محض طارئ، خطأ تاريخي لا بد وأن يتم تصحيحه.