اليوم ونحن نسير في العام التاسع انقلاب وحرب صار من البديهي القول إن الجماعة الحوثية الانقلابية أهدرت كل الفرص المتاحة أمامها للالتحاق بركب السلام والتخلي عن خيار القوة المسلحة لفرض أمر واقع رفضه ولا زال يرفضه اليمنيون، وفي كل جولة مفاوضات ما إن تكاد أن تنجح حتى نعود لنقطة البداية بفعل تعنت الحوثيين وفرضهم شروط جديدة يعلمون حق العلم أنها لن تتحقق لهم، لكنها تُفْشِل جهود السلام وتُوصِل المفاوضات إلى طريق مسدود، والنتيجة الطبيعية استمرار الانقلاب والحرب وما يتركه هذا الاستمرار من عناء بحق اليمنيين يشمل كل جوانب حياتهم.
كل تجارب السنوات الماضية في المفاوضات مع المليشيات الحوثية باءت بالفشل، وكل جولة جديدة هي فقط فرصة يستغلونها لكسب المزيد من الوقت وإطالة عمر الانقلاب وزيادة الضريبة التي يتحملها البلد أرضاً وإنساناً جراء ممارساتهم المقيتة، وجراء سعيهم الحثيث للعودة بالتاريخ إلى الوراء ناسين أو متناسين أنه من المستحيل تحقيق ذلك، وأن اليمنيين سيذودون عن مكتسباتهم حتى آخر رمق، وستكتب للانقلاب نهاية مهينة تماماً كما كُتبت نهاية دولة الإمامة الكهنوتية التي جثمت على اليمنيين في آخر جولاتها ما يقارب من نصف قرن من الزمن.
من الحكمة اليوم وبعد كل التجارب التي أفشلها الانقلابيون عدم إضاعة الوقت والجهد في جولات مارثونية للمفاوضات لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تعقِّد القضية أكثر مما تفككها، وتمنح الانقلابان وقتاً أكثر لإعادة ترتيب الصفوف وبناء القدرات لا غير، وهو ما يمكِّنهم من الاستمرار في إيقاع أكبر قدرا من الأذى بحق الشعب والوطن، وزراعة المزيد من الألغام الحسية والمعنوية في واقعنا ومستقبلنا، والعودة لاستهداف الأشقاء وتعكير علاقة الأُخوّة والجوار معهم، وتهديد أمن وسلامة طرق الملاحة الدولية وأمن الطاقة العالمي، وهذا كله يزداد ويستمر بمنح هذه المليشيات المزيد من الوقت تحت لافتة المفاوضات، بينما هم في الحقيقة غير مستعدين لها، وليسوا شركاء صالحين للسير فيها.
ما تم خلال كل جولات المفاوضات السابقة في جنيف1 وجنيف2 والكويت وستوكهولم يجعل أي مفاوضات جديدة هي تجريبٌ للمُجَرب، وتجريبُ المُجَربِ خطأ مضاعف، ومن تمام التقدير عدم التعويل على أي نتائج استناداً لكل التجارب السابقة مع الانقلابيين، وإعادة تشكيل القناعات بهذا الشأن، وتفويت كل الفرص التي يستغلها الانقلابيون لإطالة عمر انقلابهم دون أن يتقدموا ولو خطوة واحدة في بناء السلام وعودة البلد لحالة التعايش بين جميع القوى والمكونات دون تمييزٍ ولا تطييف .
في المجمل ومع فشل كل جهود السلام على الأقل حتى الوقت الراهن فإن السبيل الأنسب اليوم لاستعادة الشرعية هو توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية وبناء القدرات فيهما، والاستمرار في إسقاط الانقلاب عسكرياً، والسير بخطوات جادة في دعم وإصلاح مؤسسة الشرعية، بالتوازي مع العمل السياسي والدبلوماسي داخلياً وخارجياً لتعرية الانقلاب وأهله، ورفع أي غطاء سياسي يحاولون الاستفادة منه تحت مبرر الشأن الإنساني فيما هم بعيدون كل البعد عن الاهتمام بهذا الشأن، ولن ننجو كشعب ما لم تتوحد جهودنا للوقوف خلف شرعيتنا ونبذ ومحاربة الانقلاب بكل أفعاله أشخاصه وصوره وإثارة.
* نقلا عن الصحوة نت