حفرتَ الجدار
وأدخلتَنا في عيون النهارْ
كانت الشمس شامةَ وجهك خمسين عاما
تلمس الأرض
تسطع من أقحوان الحقول
تدلّي جديلتها للنوافذ
تملأ ليل حبيباتنا بالقصائد
تجلس في نوم أطفالنا
ترتدي روعة الأمهات
وتشرب قهوة جداتنا
تستريح قليلاً
تغمّس دهشتها في القلوب
تعلّمنا كيف نخرج من حجر الفيلسوف
كما يخرج الشعب من صمتهِ
حين تكسرهُ موجةٌ
حين يغضبُ
حين يعود إلى أصلهِ
حين يمحو الظلاما
لم تزل شمسك السبئيةُ وهّاجةً في ربانا
لا نلومك
إنْ أغلق الليل أبوابنا
نحن عتمة أيامنا يا أبانا
لم تلدنا النجوم
ولا ابتلّ مشوارنا بالتماع البروقْ
من أسانا انخلقنا
ومن حَلَكٍ يابسٍ أرضعتْنا البلادُ
وحين حملنا البلاد على ظهرنا ابتلعتْنا الشقوقْ
لا نلومك
أنت حفرتَ الجدار
فتحتَ بهِ ثغرةً للجميعْ
لم ننم في الظلام
كبرنا على وهجٍ شاحبٍ
فانتفضنا
رفضنا
هدمنا الجدار
أضاء دمٌ حالمٌ في ليالي الربيعْ
أشرق الفجر ثانيةً
من هتاف الورود وكنّا الشعاع
فجأةً قيل ضاع
أنهكتْهُ الأفاعي وحاصرهُ سمّها بالضباع
حاول الفجر
أنْ يمتطي الريح لكنّهُ ما استطاع
لا تلمنا
بحق البياض الذي
فوق رأسك
في صلواتك
في حزن عينيك
في غفوات القصائد
في الصوت
في أول الموت
في أبديّة أيلول
فيك وأنت تعانق إسم البلدْ
كأنك شاهدةٌ من رخام الأبد
لا تلمنا إذا خطف الليل منّا القمر
لا تلمنا إذا لم نمت واقفين على أرضنا كالشجر
لا تلمنا
خذلناك يوم نسينا نشيد السلاح
وخذلناك يوم عتبْنا عليك
وأنت دمٌ ساخنٌ في شعاع الجراح
ليس في الصمت عارْ
يسكت الأنبياء وصمت النبيين نارْ
لا تغنّي العصافير فوق القبورْ
العصافير ترقص للشعب حين يثورْ
لو سمعناك
ما جفّ نور الإله ولا رفّ جفن الزمنْ
ما أضعنا اليمن
لا تلمنا فنحن نحبك حين نعاتبْ
كل طفلٍ وإنْ بلغ الأربعين
يظلّ صغيراً بعين أبيهِ
طويلاً طويلاً أمام الكواكب
وأنت أبونا ونحن الأغاني
ونحن الشموع وأنت سهيل اليماني
لن أخبّيء للموت ناياً
ولا للمراثي كتابا
أتعذب لكنني
لا أزيد حبيبي عذابا
لم أضع وردةً فوق قبرٍ
ولا نجمةً للأفولْ
في جلال الإله
تضيء القصائد يعلو مقام الرسول
يا أبانا وأنت تُلمِّعُ أحزاننا في عُلاك
ابتسم كي أراك