الموت يغزو تعز. هذه المرة بسلاح مختلف، يطرح تساؤلات واستفسارات كثيرة. اسمه:
[حمى الضنك]. من متى أصبح الضنك قاتلاً؟! ونحن نتعايش معه في كل عام. أصيبتُ به في
شتاء ٢٠١٢م. وتجاوزته، بالليمون، والعصيد والحَلْقةْ. وهكذا كان الناس يتجاوزه بطرق
التداوي الشعبية، التي كانت وما زالت ناجعة
حقاً. أو بكرس كامل من الحُقن، الخاصة برفع الصفائح. كما كنا تنعامل معه في السنوات الماضية. أو بحقنتين.. "حقنةً: vit c و حقنةً: vit complex" بحسب طبيب مختص.
اليوم حالة الموت المتكرر، مرعبة في مدينة تعز. والتي تُرجع الأسباب الرئيسية المؤدية للوفاة: حمى الضنك القاتلة. نسب حالات الموت المُفجعة، أعادت إلى ذهني ذات صورة الهلع
التي عشناها في ظل فايروس كورونا، عندما
بلغ ذروته، وتوقفت الحياة إلى حدٍ ما.
فما الذي يجري؟ هل فايروس حمى الضنك، قد تحور إلى فايروس آخر أكثر خطورة لدرجة أن أصبح قاتلاً كما نشاهد اليوم؟ أم أنه شيء آخر، فايروس جديد؟ أو أنها كورونا قد عادت؟ أذ أن هذا الاحتمال الأخير أقرب إلى المنطق، بحكم تشابه حالات الموت وتضاعفها. وما نعرفه أن حمى الضنك كنا نقضي عليها (بحَلقة وحلص).أو بكرس حقن. أو أن المرض خليط من أمراضٍ وأوبئة مختلفة؟ أو أن مناعتنا أصبحت هشة وضعيفة لدرجة أن تقتلنا حمى كنا نقتلها (بَحلصة)! الأمر غامض جداً، ومرعب! ومكتب الصحة هادئ جداً، كأن المشافى خالية، وأهالي المدينة يتقيئون صحة ومضادات حيوية.
المدينة منسية، منسية من كل شيء. يضربها كل بلاء بكلِ ضرواة. فتقاوم وحدها.. تسقط، تموت، تثخنها الجراح، تقاوم وتعود للحياة من جديد، تفعل ذلك وأكثر بمفردها، بمفرد أهلها المنهكين، حتى سلطاتها المعنية تتخلى عن مسؤولياتها عندما تكون في قلب الخطر. وهذا التخلي يضربها بمقتل. للمقاومة والصلابة حدود ونهاية كما لكل شيء. يقفد المرء عندها قواه ويتهالك. وقد تمثل ذلك الخذلان في: أن تركوها مخنوقةً في حصارها، وتكدست القمامات في شوارعها، وتهالكت مناعتها، حتى أصبح قتلها سهلاً: بسِنة بعوضة! تهرب من قناصات الحوثي وقذائفه، تصطدم بجدار عازل في الضفة الأخرى، هناك يعضها البعوض فتموت.!
دعوة إلى السلطات المعنية، إلى أبناءها تبدأ من العليمي إلى معين، إلى البركاني، إلى بن شمسان، وتنتهي بمدير مكتب الصحة في المدينة: افعلوا شيء من أجل مدينتكم وأهليكم. إن الموت يفترسها من الجهات الأربع. حتى الكُتَن حين رأت السكاكين تتقارع على عنقها، قفزت مع الأيادي الآثمة تذبح.. إلى الإعلاميين المشغولين بالترندات البعيدة والتافهة: الحالمة بحاجة إلى أقلامكم وأصواتكم.. لا تخذولها أنتم الآخرون.
الذي لم يستيقظ من ذاته على أصوات الفجائع المهولة، لا يلبي الدعوات.. وإن وصلت إليهم دعواتنا، لن يركظون.. نحن نعرفهم ونعرف في أي ميادين تركظ أرجلهم. ولذا، سنوجه دعوة أخرى إلى الجيش الأبيض، جيش الرحمة: الأطباء. الأخوة أطباء أبناء هذه المدينة، في الداخل والخارج؛ قدموا شيء لمدينتكم التي تموت كغزالةٍ شاردة، في صحراء القاحلة. نفذوا أنشطة توعوية صحية، اقيموا مبادرات إنسانية تحتوى ولو جزء من الكارثة.. افعلوا أي شيء يمكن يحمي مدينتكم
من الموت والهلاك المحققين.!