;
عبدالسلام محمد
عبدالسلام محمد

الجوف بين هشاشة الدولة ومصالح القبيلة 801

2022-11-02 07:51:15

من الواضح أن هناك عدم فهم للطبيعة المجتمعية لقبائل الجوف سواء من الأحزاب أو الدولة أو التحالف أو حتى المراقبين للوضع من صحفيين وباحثين .

shape3

‏منذ استشهاد بعض مدراء مكاتب الدولة وجميع أعضاء المكتب التنفيذي لحزب الإصلاح وهو أكبر الأحزاب تغلغلا في القبائل، ظهر وضع القبيلة على طبيعته .

يبدو أن الطبيعة الاجتماعية لأبناء الجوف تميل إلى الداعي القبلي أكثر من اهتمامها بمسألة حماية الدولة وبدا ذلك جيدًا بعد استشهاد الكثير ممن كان لهم دور في ربط الدولة بالمجتمع، فمثلاً الآن أصبح مدراء مكاتب الأحزاب مؤتمر أو إصلاح أو اشتراكي أو ناصري هم أقرب للقبيلة من الانتماء السياسي.

طبيعة المجتمع التي تقدس الداعي القبلي عن داعي الدولة هي ليست موجودة في الجوف فقط، بل حتى مأرب والبيضاء وصنعاء وعمران وغيرها من المناطق القبلية، لكن تختلف بنسب متفاوتة من منطقة إلى أخرى، بفعل عوامل، منها قوة مركز الدولة ومدى حضور الأحزاب، وقيادة تستوعب القبيلة ومصالحها .

فإذا أسقطنا تلك العوامل على الوضع في مأرب نجد وجود مركز الدولة قوي ونضج سياسي وتواجد حزبي جيد إلى جانب تشكل كتلة بشرية متنوعة في مركز المحافظة قادمة من مختلف أنحاء الجمهورية ، وقيادة ذكية استوعبت القبيلة وفهمت حدود مصالحها، فأصبح الداعي القبلي هو تعزيز للدولة والجيش، لا ضدها .

أما نموذج البيضاء ، فهناك سلطة حوثية مسيطرة ضد الدولة اليمنية، وكان هناك داعي قبلي ضد هذه السلطة التي لم تحقق للقبيلة مصالحها( انتفاضة ياسر العواضي)، لكن هذا الداعي القبلي هزم في مواجهته، وبالتالي يسيطر الحوثي في بيئة غير حاضنة لوجوده، وستكرر القبيلة يوما انتفاضتها لتحقيق مصالحها .

النموذج الثالث هي القبيلة في عمران وصنعاء وهذه القبيلة وجدت مصالحها في بداية الأمر مع الحوثيين، ولذلك استوعب الحوثي الداعي القبلي لصالحه، فالصراع السياسي في العشر سنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق صالح انعكس على مصالح القبيلة وبدأت تتلاعب في تحالفاتها بين الدولة والميليشيات .

وبالعودة إلى الجوف، فهي محافظة حدودية غالبية تضاريسها صحراوية (ما يقارب 40 ألف كيلو متر مربع) وبكثافة سكانية قليلة (حوالي نصف مليون نسمة)، وطبيعة المحافظات الحدودية والصحراوية تتحول مع ضعف الدولة إلى ممر للتهريب بين المحافظات المجاورة ومع السعودية، وبالأخص في أوقات الحروب .

عدم اهتمام الدولة بالجوف خلال 60 عاماً من عمر الثورة اليمنية، جعل هذه المحافظة تبدو متخلفة عن مستويات التنمية حتى إذا قارناها بمأرب التي قفزت التنمية فيها منذ بداية الحرب أكثر من عشر مرات بفعل وجود قيادة قوية وتخصيص نسبة من موارد الدولة النفطية، بينما لم يتم استيعاب الجوف اقتصاديا .

ظلت الجوف منذ بداية الحرب هي الشيخ، وخاض قبائلها بفعل الداعي القبلي تجربتين في تحريرها، ثم جاء السقوط الثالث لمركزها وسط متغيرات معقدة .

‏كان لهزيمة ألوية الحدود (لواء رداد الهاشمي) وسقوط نهم بعد انسحاب التحالف وبدء مفاوضات سلام بين التحالف والحكومة مع الحوثيين ضربة لمعنويات القبيلة .

بدأت القبيلة تتلقى رسائل من الحوثيين ملائمة لطبيعة مصالحها، بينما غابت الدولة تدريجياً، وبدأ التحالف سلسلة إجراءات تعاقب الشيخ القبلي الذي كان هو رمزية الدولة عند القبائل، وانتهى الأمر بإقالة شيخها أمين العكيمي كمحافظ للجوف بمعزل عن فهم مصالح القبيلة المتضررة .

المراقب للقبيلة بالذات في الجوف، يجد أن الحرب لم تقسم القبيلة ولم تؤثر على وحدتها، وظل أبناء القبيلة الداعمين للدولة والداعمين للحوثي على تواصل وتبادل للمصالح، لأسباب منها، أن حضور الدولة كان هشاً وضعيفاً، والضعف هنا لا يتعلق بالتواجد العسكري بل بدرجة استيعاب القبيلة ومستوى الخدمات .

في الاتجاه الآخر يسعى الحوثيون للتلاعب بالقبائل من خلال فهم دقيق لحدود مصالحهم ومحاولة استيعابهم، ولذلك يريدون أن يستبدلوا فشلهم في استيعاب قبائل مأرب، بتكرار تجربتهم في البيضاء كما كانت في عمران وصنعاء وهو الاستيعاب التدريجي للقبيلة حتى بناء قيادة موازية ثم السيطرة على المجتمع .

مؤخرا اتجهت القبيلة في الجوف لممارسة هوايتها في الداعي القبلي وفق مصالحها لا مصالح الدولة، فقد استغلت غياب شيخها العكيمي وتغييره للتعبير عن رفضها بطريقة (النكف القبلي) الذي تعبر به من خلال التخييم وإصدار البيانات التي توضح مطالبها .

وحتى لا تتكرر تجربة الحوثيين في استغلال المخيمات القبلية، يجب أن نعيد فهم مصالح القبيلة واستيعابها، ليس على حساب الدولة بل لصالح الدولة، فالشعارات المرفوعة حاليا لقبائل الجوف لا ترقى إلى مستوى مواجهة الدولة والتحالف وإنما تركز على عودة شيخها الذي تعتبره حاليا تحت إقامة جبرية .

ومن المهم فهم أن الداعي القبلي لأبناء الجوف لن يميز أبناء القبيلة بين داعمين للدولة وداعمين للحوثي، وهذا الأمر قد لا يستبعد حصول اختراق حوثي للفعاليات القبلية وتجييرها، ولذلك فمن المهم القيام بإجراءات استيعاب للقبيلة، وهنا أقترح التالي :

1) التفاهم مع مشائخ القبيلة من خلال ميثاق على احترام قرارات الدولة، وترتيب عودة شيخها العكيمي مع التوافق على خطة تنموية لاستيعاب القبيلة ودعم قرارات رئيس الجمهورية ومواجهة المتمرد .

‏2) يجب أن تلمس القبيلة جزء من المصالح على طريق الاستفادة منها في دعم وتحرير عاصمة المحافظة .

‏3) من المهم حتى قبل الجلوس مع مشائخ قبائل الجوف، أن يعيد التحالف والحكومة اليمنية النظر في آلياتهم في التعامل مع القبيلة، فيبدو أن آلية استيعاب القبيلة وفق مصالحها مع تقوية مؤسسات الدولة، هي الأفضل في ظرف الحرب .

‏4) لا يجب النظر إلى أن القبيلة ابتزازية أو حزبية فهذا التوصيف خاطئ .

خلاصة : الفهم الخاطئ للقبيلة على اعتبارها أنها عصابة ابتزازية أو مؤسسة حزبية، أو حتى رديف للدولة دون اعتبار للمصالح المتبادلة يؤدي عادة إلى قرارات خاطئة وسلبية لصانع القرار، وهو بالتأكيد ما يخلق فراغات تسارع الميلشيات المسلحة والجماعات الإرهابية لملئه.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد