احتفى اليمنيون مؤخراً بأعياد الثورة اليمنية المباركة (سبتمبر - أكتوبر)، فيما يحتفون في الغد القريب بأعياد الاستقلال الوطني المجيد .
وفي مجرى الاحتفاء ومسرى الانتشاء بهذه المناسبات، يتناسى الناس العِبرة الكبرى منها، متغافلين أنها ليست مجرد أعياد للفرح ومناسبات للاحتفال، إنما ذكرى لملاحم سطّرت تاريخ شعب، وخلّدت بطولات أُمّة، وعمّدت قيمة حضارية لا زالت ماثلة .
والعِبرة من هكذا ذكرى هي تلك الكامنة في السؤال: كيف كانت أحوال الناس، وكيف آلت، قبلها وبعدها؟
هل غدت الوفرة ومستوى المعيشة بعد الثورة أفضل منها قبلها، أم العكس؟
وكيف هو مشهد الحريات بعد الاستقلال، أسوأ أم أحسن؟
إن الأفضلية بالنسبة للوطن - ومن وجهة نظر المواطن - هي: لمن؟
للعهد السائد، أم ذاك البائد؟
لا يفقه المواطن - البسيط، لا المواطن VIP - ما تحتويه المجلدات النظرية والكتب الفلسفية، بقدر فقهه محتويات المائدة اليومية، التي تحوي غالباً وجبة واحدة أو اثنتين في أحسن الأحوال !
وهو يجيد المقارنة جيداً بين رغيف الخبز وشعارات الثورة. ويفهم اللغة التي كُتبت بها الفاصوليا البيضاء أكثر من تلك التي كُتب بها بيان الاستقلال !
وهذا ليس كلام شوارع ولا سفسطة أرصفة، إنما هو الأيديولوجيا الحقيقية للثورة والمفهوم الحقيقي للاستقلال، مُضافاً إليه مقدار معلوم من الملح يسمى " الحرية"، ومثله من السكر يُطلق عليه "ديمقراطية ".
وأنت لا تجد من يتغنّى بالعهد الإمامي - مثالاً - في أيّ مجال حيوي على الإطلاق. لكنك لا تجد أيضاً من تغنّى بالعهد الجمهوري، إلاَّ في فترات معلومة ومتصلة برؤساء محددين. لن تجد ميتاً من الجوع أو القهر أو التعذيب يرفع يده من قبره تأييداً لهذا العهد أو ذاك !
هذا هو جواب السؤال .
الأمر ذاته يتجلى بصدد المقارنة بين حالتَيْ: الاحتلال، والاستقلال .
ثمَّة من يرى أن عهد الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن كان مُزهراً ومُزدهراً، على الإطلاق.
ثمَّة من يراه هكذا، ولكن بالحصر في عدن وحدها دون سواها من مناطق الجنوب (المحميات).
وثمَّة من له موقف آخر مُغاير تماماً، وهذا هو نفسه الذي يجد قيمة التحرر من ربقة الاحتلال أعلى وأغلى من أن تُقارَن بيوم واحد أو حتى ساعات معدودة جداً تحت وطأة الاحتلال نفسه، من أية ديانة كان أو جنسية، عيونه زرقاء أو سوداء، لونه أشقر أو أسمر، يرطن بالإنكليزية أو يلهج بالبدوية اليعربية !
وبالطبع، يرى من يرى أن أية مثلبة في حق الاستقلال الوطني تهون قُبالة القبضة الأجنبية، وأن هذه القبضة قد تصك الريال وتنسج الدشداشة والعقال، لكنها أبداً لا تنتج الرجال. وهذا من لُبّ الرد على الاعتقاد بأن تواجد الغريب على أرض اليمن الحبيب صورة من صور الدعم والإسناد !
" سلام للفهم، إنْ شيْ فهم
والاَّ فالسلام يُحفظ وديعة ألف عام ".
انتهى الكلام... والسلام .
*نقلاً عن موقع : بلقيس