هناك تطور مهم كشفت عنه بريطانيا الخميس الماضي، ويتعلق باحتجاز شحنة أسلحة مهمة في خليج عمان كانت على متن قوارب تهريب متجهة إلى اليمن، وبالتحديد إلى جماعة الحوثيين المسلحة المرتبطة بإيران، وتضم صواريخ أرض جو ومحركات لصواريخ كروز وغيرها من المكونات المتعلقة بأسلحة بالغة التطور وفق بيان بريطاني. اللافت أن عملية اعتراض الشحنة المهربة تمت في شباط/ فبراير الماضي بمشاركة البحرية الأمريكية، لكن الكشف عن هذه العملية تأخر خمسة أشهر تقريباً عن موعدها المفترض، مما يثير العديد من الأسئلة حول السر وراء تأخير الإعلان كل هذه المدة؛ على الرغم من القرينة التي تقدمها عملية كهذه لإثبات تورط إيران المباشر في إذكاء الحرب المستمرة في اليمن منذ أكثر من سبع سنوات. لا شيء يبعث على الارتياح أكثر منع وإحباط وصول شحنات مهربة من الأسلحة للحوثيين، والتي تمثل إيران مصدرها الرئيس والطرف المؤثر في الشبكة المعقدة لتهريب الأسلحة لهذه الجماعة الطائفية المسلحة، لكن ما أقدمت عليه البحرية البريطانية على أهميته كشف شيئاً مهما، وهو أن الأسلحة التي كانت تذهب إلى الحوثيين طيلة سنوات الحرب الماضية لم يكن هناك عائق قانوني يحول دون وصولها إلى أهدافها، والسبب هو العقوبات الأممية التي كانت تخص عدداً محدوداً جداً في جماعة الحوثي وليس الجماعة كلها. لكن لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن كانت قد أوصت بتوسيع العقوبات على الحوثيين لتشمل الجماعة كلها وبجميع أعضائها، وهو الأمر الذي تبناه مجلس الأمن عبر القرار رقم (2624)، الصادر عن المجلس في الثامن والعشرين من شهر شباط/ فبراير 2022، حيث نص على أن جماعة الحوثي كيان خاضع للتدابير المفروضة في الفقرة (14) من القرار (2216)، والتي تشير إلى حظر الأسلحة وإخضاع الجماعة نفسها للعقوبات. وبعد أسبوعين فقط قرر الاتحاد الأوروبي إدراج الحوثيين في القائمة السوداء ضمن الجماعات الخاضعة للعقوبات، وتجميد أصولهم وعدم تزويدهم بالتمويل. وبناء على ما سبق، لم يكن الحوثيون عملياً يخضعون قبل هذا التاريخ للعقوبات سوى تلك التي فرضت على عدد محدود جداً من قادتهم، وهو الأمر الذي يفسر كيف وصلت الصواريخ ومكوناتها والطائرات المسيرة ومكوناتها بكميات كبيرة للحوثيين دون وجود عوائق؛ يمكن أن تحل دون تعاون بعض الدول في إيصال هذه الأسلحة. لكن السؤال الذي ينبغي الإجابة عليه أيضاً هو لماذا تأخرت بريطانيا كل هذا الوقت لكي تعلن عن اعتراض شحنة أسلحة؟ هل الأمر كان يتعلق بإمكانية الحصول على موقف إيراني مرن يساهم في الدفع بالجهود البريطانية المساندة لدولتي التحالف من أجل التوصل إلى نهاية للحرب؟ قد يكون هذا سبباً وجيهاً بالفعل. وبغض النظر عن الرد الإيراني القوي على الإعلان البريطاني، فإنه لا يجب أن يغطي على التعاون الخفي بين البلدين فيما يخص الحرب اليمنية، فالمساعي البريطانية لطالما أظهرت حرصاً على مكافأة الحوثيين، ودفعت بولي العهد السعودي والقيادة السعودية إلى قبول فكرة التعاطي مع الحوثيين كسلطة أمر واقع في صنعاء شريطة أن ينأوا بأنفسهم عن إيران، وهي خطوة طموحة وتتجاهل التعقيدات التي تكتنف علاقة الحوثيين بإيران. ويعزى ذلك إلى أن تنظيم الحوثيين المسلح نشأ وفق عقيدة تجعل منه تابعاً ميكانيكاً لإيران والحرس الثوري والمنظومة الشيعية في المنطقة، وهي تابعية طوعية يشعر معها الحوثيون كما حزب الله والتشكيلات المسلحة العراقية التابعة لإيران؛ بحالة من الإشباع السياسي والأيديولوجي والحماس منقطع النظير للعمل ضمن الفضاء الإيراني الواسع الذي أسس ما يمكن تسميته بخلافة شيعية بلا حدود سياسية، تضم نصف الشرق الأوسط تقريباً. لقد صُممت قرارات مجلس الأمن والموقف الدولي كله بما يتفق مع أهداف الحرب التي كان من بينها تمكين الحوثيين من تحقيق حسم عسكري، غير أن ذلك ربما تعارض جزئياً مع أهداف دولتي التحالف اللتين رسمتا لنفسيهما مساراً مختلفاً قليلاً؛ ذهب باتجاه توجيه نتيجة الحسم العسكري في معركة ضحيتها الأساسية الكيان القانوني الحالي للجمهورية اليمنية وسلطته الشرعية والشعب اليمني، بما يسمح بإيجاد منافس للحوثيين يمكنه أن يتقاسم هذه النتيجة، والذي يستثمر إلى حد كبير القضية الجنوبية. وهذا يفسر لماذا تسير الأمور على هذا النحو، ولماذا تبدو الحرب التي تعصف باليمنيين شأنا يتجاوز طاقتهم في التحكم والتوجيه، ولماذا تصاغ أولويات هذه الحرب بعيدا عن إرادتهم وأولوياتهم.
ياسين التميمي
لماذا تأخرت العقوبات على الحوثيين 7 سنوات؟! 961