نهاية الشهر الفائت أحرقت زوجة الأستاذ رشاد الجعفري عباءتها في منطقة الراحة بمديرية حزم العدين في محاولة كسب تعاطف وضغط مجتمعي لإطلاق سراح زوجها الذي اختطفه منتصف مايو الماضي متنفذ في جماعة الحوثي عينته المليشيات وكيلا للمحافظة، وجددت هذه الحادثة أهمية سرد وقائع جريمة اختطاف المعلمين والتربويين ومصادرة حرياتهم.
اختطفت المليشيات المعلمين والتربويين من مدارسهم وفصولهم أو من أمام منازلهم، أو من الشارع العام أو أبواب المساجد، في النهار حينا وأحيانا في الليل، مستخدمة القوة المفرطة والمظاهر المسلحة المرعبة في وجه مربي الأجيال.
في تقريرها "ضحايا خلف القضبان" تؤكد منظمة رايتس رادار بأن جماعة الحوثي المسلحة شنت خلال عامين ونصف من سيطرتها على العاصمة صنعاء والعديد من المحافظات أوسع حملة اعتقالات يشهدها اليمن (ضد خصومها ومناهضيها – في طليعتهم التربويين)، وهو الأمر الذي لم يختلف كثيرا بعد تقرير رايتس رادار.
تعرضنا لـ"أشكال الإذلال"!!
يوثق تقرير "في العتمة" الصادر عن مواطنة لحقوق الإنسان عن أم أحد الضحايا حديثها المؤلم "لقد تعرضنا لأشكال الإذلال"، وهي صورة مكثفة لما حدث لأمهات وزوجات وأباء وأبناء وإخوان وأخوات وأهالي المختطفين قسرا من قبل جماعة الحوثي من المعلمين والتربويين، حيث وصلت حالات الاختطاف أكثر من 1200 حالة موثقة، فضلا عن "حالات كثيرة لم توثق" حسب تأكيد رابطة أمهات المختطفين في تقاريرها السنوية.
خلال الفترة (سبتمبر2014 -ديسمبر2016) رصدت رابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسرا اختطاف (631) أكاديميا وتربويا حيث تصدرت محافظات (الحديدة 126، ذمار 113، أمانة العاصمة (98 قائمة الضحايا بالإضافة لـ(إب 72، البيضاء 24، الجوف 9، الضالع 2، المحويت 8، تعز14، حجة 61، ريمة 2، شبوة 8، صعدة 4، صنعاء25، عمران26، لحج 18، مأرب3).
في تقريرها (أمهات أمام أبواب السجون) أكدت الرابطة أنه وبمطلع العام 2017 كان 200 أكاديمي وتربوي ما يزالون في السجون الحوثية أغلبهم في محافظتي الحديدة (59) وأمانة العاصمة (49)، فيما تؤكد نقابة المعلمين اليمنيين في تقريرها "الجريمة المغيبة" الصادر مؤخرا بأنه وخلال الفترة من أكتوبر 2014 وحتى ديسمبر 2021 بلغ عدد المعلمين والتربويين الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية (1200) معلم وتربوي موزعين على عدد كبير من محافظات الجمهورية، ناشرة الرعب والقهر في المجتمع.
اختطاف الجسد و"الروح"!
انتشرت في أوساط المعلمين والمعلمات حادثة اختطاف الأستاذ والموجه التربوي والقيادي بنقابة المعلمين اليمنيين بمديريه الحيمة الخارجية -صنعاء (صالح حسين البشري 35 عاما) ورفقاؤه الأساتذة (علي طاهر الفقيه)، و(عبدالجليل الصاري)، و(منصور النظامي) صباح الحادي والعشرين من فبراير 2015 من قبل قوات الحوثي وصالح، وقد أفرج عنهم بعد ثلاثة أيام (رميا) في الطريق العام بعصر، حينها نجا ثلاثة منهم من جراحهم الناجمة عن التعذيب الشديد في سجون الحوثيين فيما فارق المختطف البشري الحياة بين يدي رفاقه قبل أن يتمكنوا من إسعافه.
الحادثة ظلت حاضرة في أذهان كثير من المعلمين في المحافظات التي سيطر عليها الحوثيون بالحديد والنار ومنهم أستاذ الفيزياء عبده المدومي الذي باغته طقم على متنه عناصر حوثية مدججين بالسلاح، المدومي كان يسير في اتجاه منزله بحي السنينة عصر الأربعاء 21 مايو 2015، وخلال محاولته النجاة من مصير زميله صالح البشري – العالق في الذاكرة- تمكنت منه رصاصات مليشيات الحوثي ليفارق الحياة ويلتحق بالبشري أمام دهشة المواطنين في الحي، فر المدومي من الاختطاف الحوثي فاختطف الحوثيون روحه وفروا على متن الطقم، في جريمة مركبة تفصح عن لا إنسانية وتوجهات الجماعة الحوثية تجاه المعلمين والتربويين في اليمن.
اختطاف بلا أعراف!
أوصلت جماعة الحوثي الوجع والقهر إلى مجتمع المعلمين والتربويين وبيوتهم منذ اجتياحها صنعاء سبتمبر 2014، ودفعتهم إلى ترك المهنة والتشرد بحثا عن مأوى أو عيش كريم، حسب قياديين تربويين، وقد انتشرت جرائم الحوثي إعلاميا؛ وفي أحيان كثيرة نشرت الجماعة أفعالها الانتقامية بحق مناوئيها (ترهيبا).
بين الوقائع الموثقة لدى المنظمات الحقوقية الكثير من الوجع والقهر ففي يوم السبت 16-3-2019 طوق عدد كبير من مسلحي جماعة الحوثي على متن مركبات عسكرية إحدى مدارس مديرية السبرة بمحافظة إب واقتحموا الفصل الدراسي الذي كان يدرس فيه (ع.د.ب) 46عاما واقتادوه أمام الطلاب الذين أصيبوا بالفزع، وفي نفس المحافظة.
قالت زوجة (ياسر أحمد الجعشني 43 عاما) أن مسلحين حوثيين اختطفوا زوجها في 19-3-2017، من جوار بيته وهو متجه إلى مدرسته التي كان مديرا لها، وبعد تنقلات ياسر في سجون الحوثيين توفي في قصف كلية المجتمع بذمار.
في تعز؛ خرج المدرس (ج.ع.ح) 60عاما من منزله في منطقة هجدة بمديرية مقبنة محافظة تعز بتاريخ 14-2-2019، الساعة 11 ليلا لشراء دواء لوالدته، اختطفه طقم حوثي عليه أربعة مسلحين.
وفي الحديدة؛ اختطف حوثيون (أ.ع.ب) 53عاما الذي كان مديرا لمدرسة القريبة يوم الأربعاء 16-3-2016 بعد عودته إلى منزله، وحسب تقرير رابطة أمهات المختطفين فإن مصيره ما زال مجهولا.
وضمن أبرز وقائع جريمة اختطاف التربويين تأتي حادثة اختطاف نقيب المعلمين الأسبق أحمد الرباحي وهو خارج من أحد مساجد العاصمة صنعاء في الرابع عشر من أكتوبر 2017، كما داهمت عناصر مسلحة تابعة لمليشيات الحوثي منزل نقيب المعلمين في أمانة العاصمة الأستاذ سعد النزيلي فجر الأحد 12سبتمبر 2016 وكان "يوم عرفة" واقتادته من أمام زوجته وأطفاله، وقد شارك في حملة المداهمة عناصر من الشرطة النسائية فتشوا المنزل تفتيشاً دقيقاً وعبثوا بكل محتوياته حتى الدقيق نثروه على أرضية المنزل، ونهبوا ما خف وزنه وغلا ثمنه بما فيها المصوغات الذهبية التي كانت ترتديها زوجة النزيلي، في محافظة صنعاء.
وكانت نقابة المعلمين بصنعاء قد دانت إقدام مجاميع مسلحة حوثية على اقتحام مكتب التربية والتعليم بمديرية أرحب واختطاف مدير المكتب الأستاذ عبد الواحد الجمرة صباح الثامن من فبراير 2015.
وضمن من مرت عليهم أطقم الحوثي ومسلحوه وعناصره النسائية؛ نقيب معلمي الأمانة السابق ومدير المنطقة التعليمية بمديرية الثورة هلال عكروت، وفهد السلامي مدير مدارس النهضة، وحازم الحرف مدير مدرسة القيم، خالد النهاري مدير مدرسة الفاتح.
تعبيد طريق الجهلة!
لم يتطرق تقريرنا لما بعد الاختطاف (الإخفاء؛ والتعذيب؛ والمحاكمات والأحكام) فما بعد الاختطاف محل تقرير تالٍ؛ إذ ما يزال سعد النزيلي وفهد السلامي وغيرهم في سجون الحوثيين حتى اليوم، ويصف القيادي التربوي محمد بن محمد قاسم الأمر بالكارثي حيث قاموا بملاحقة التربويين والمعلمين في مناطق سيطرتهم وصولا لإخضاعهم، بل دخل بعضهم في حالات نفسية، ويشير إلى أن الأمي قبل المتعلم في اليمن أصبح مدركا لماذا قامت وتقوم المليشيات الحوثية باختطاف المعلمين وفق سياسة ممنهجة وهو استهداف المتعلمين الذين سيعترضون على خرافات الحوثيين وصولا لنشر تلك الخرافات في المجتمع العمل الحثيث على تجهيله، ويضيف تم العمل على إزاحة المعلمين والتربويين بملاحقتهم وأخلاء ساحة التعليم لجهلة الحوثي وتشريد المخالفين لهم لأن وجودهم يرتبط بالبيئات الجاهلة في اليمن وغير اليمن من الأقطار العربية والإسلامية ممن تتواجد فيه مليشيات شبيهة.