استبشر اليمنيون كثيرا بالتغييرات التي حركت المياه الراكدة داخل الشرعية ونتج عنها تشكيل مجلس رئاسي ، إلا أن تسليم الشرعية مرة أخرى للمليشيات يجعل الأسئلة تتوالد وتبحث عن إجابات ، خاصة وأن الجميع يعلمون علم اليقين بأن اليمن تعاني من تهديدين رئيسيين هما ، المليشيات والوضع الاقتصادي ، وكلاهما يقوضان الدولة ومؤسساتها ، ولذلك فإن السؤال الملح ، لماذا لم تنجز السعودية اتفاق الرياض الذي نص على تفعيل كافة سلطات ومؤسسات الدولة وإعادة تنظيم القوات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع وإعادة تنظيم القوات الأمنية تحت قيادة وزارة الداخلية ؟
وبحسب تعريف علماء الاجتماع، فإن الدولة هي التي تحتكر الاستخدام الشرعي للقوة ، بمعنى أن الدولة مهمتها احتكار العنف المشروع في سبيل تحقيق مصالح الشعب ومنع الفوضى ، وعدم تحقيق اتفاق الرياض ، يعني أن السعودية سلمت قرار المجلس الرئاسي للمليشيات ، مثلما سلمت قرار هادي من قبل لذات المليشيات ، فكيف للمجلس الجديد ولرئيسه تحديدا أن يكون قويا على المستوى الداخلي والخارجي وهو محاط بهذه المليشيات وحراسته وحراسة العاصمة التي يقيم فيها من هذه المليشيات ؟
الجميع يعرف بأن اليمن الجديد الذي تأسس بعد تمرد الحوثيين واختطافهم للدولة ومؤسساتها وشن السعودية الحرب تحت ذريعة استعادة الشرعية لم يعد للدولة وجود وأصبحت المليشيات هي التي تدير المناطق التي بحوزتها وتستخدم العنف الغير مشروع ، فمنذ أن رفعت الشرعية شعار استرداد هيبة الدولة وهي تواجه بمزيد من توالد المليشيات والفصائل المسلحة برعاية المملكة العربية السعودية والإمارات .
ولست بحاجة للقول ، إن السلام الذي ينشده اليمنيون ليس بأيديهم ، فقرار الحرب والسلم بيد المليشيات ، وهذا يؤكد اختلال المعادلة في اليمن وتغييب الشرعية وإضعافها من قبل داعميها الذين ركزوا القرار بيد المليشيات التي تحولت إلى صداع حقيقي وعائق رئيسي أمام استعادة الشرعية لزمام الأمور والتحكم بالملف السياسي والاقتصادي .
ليس أمام رئيس مجلس الرئاسة سوى فرض قرار الدولة المنوط به كرئيس لها ، وألا يسوف في ذلك لأن مالم يستطع فرضه اليوم لن يستطيع فرضه غدا ومن حقه أن يطلب من المملكة العربية السعودية أن تنفذ اتفاق الرياض ويطلب من الانتقالي الالتزام بتنفيذه كون الانتقالي أصبح مشاركا في المجلس الرئاسي وفي الحكومة فليس من المعقول أن يظل الانتقالي يتعامل مع الدولة اليمنية كقرية تابعة له وممر لنفوذه .
خلاصة القول ، إن المجلس الرئاسي ورئيسه لن يكسب الاحترام الخارجي والثقة الداخلية عن طريق الجهد الإعلامي الذي يسوق ويروج لوحدة القرار داخل المجلس دون أن ينعكس هذا الجهد الإعلامي على الممارسة الفعلية على أرض الواقع ، يجب أن تكون القرارات صادرة عن رئيس المجلس ولا يسمح للآخرين بلعب هذا الدور وإلا سيجد نفسه نسخة طبق الأصل من هادي وستستمر المليشيات الموالية للخارج تتلاعب بمصير أكثر من ٣٠ مليون يمني يحلمون بالاستقرار والعيش الكريم بعيدا عن المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية ، وحل تلك المشاكل كلها مرهونة بتنفيذ اتفاق الرياض الذي يختبر صدق نوايا السعودية من كذبها وقدرة رئيس المجلس على استعادة قرار الشرعية .
