يواجه مجلس القيادة الانتقالي تحديات عديدة داخلية وأخرى خارجية، يفترض أن يسهم التغلب عليها في تكريس شرعيته ليس فقط بديلاً عن الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تنازل عن السلطة ضمن إجراء إشكالي لا يزال يضع هذا التغيير ضمن مفهوم الانقلاب المتفق عليه، ولكن أيضاً بديلاً عن سلطات الأمر الواقع التي تكرست طيلة الفترة الماضية ضمن توجه إقليمي عدائي تحول معه التدخل العسكري والسياسي والدبلوماسي إلى ثورة مضادة كاملة الأركان لربيع اليمن. ولعل الجميع يتفق على أن التحديات الداخلية تبدأ بالتوحيد الحقيقي لجبهة الشرعية بما يستدعيه ذلك من تذويب للمشاريع التي صدَّعتْ هذه الشرعية، وكرَّست ضعفها، بالإضافة إلى مواجهة التحدي الاقتصادي والمعيشي والإنساني، والأهم من ذلك كله مواجهة الصلف الذي تظهره جماعة الحوثي تجاه الدعوات المتكررة إلى مفاوضات تنهي الحرب، وهي دعوات يبدو أنها مجرد صرخات في الفلاة مما يجعل من الحسم العسكري مع هذه الجماعة أكثر أولوية أمام مجلس القيادة الرئاسي الجديد. سأهتم في هذا المقال بالتركيز على التحديات الخارجية الماثلة أمام مجلس القيادة الرئاسي ومنها ما يتعلق بمدى نجاح هذا المجلس في التعاطي مع الجوار الإقليمي وإعادة توحيد مواقفه حول شرعية المجلس وأولوياته، بما يفضي في نهاية المطاف إلى تأمين إطار إقليمي ضامن للحل الشامل في اليمن لا أعتقد أنه بدونه سوف نصل إلى أهداف السلام المستدام إذ لا يمكن للسلام أن يتحقق على أرضية إقليمية ملغومة بالصراع والتنافس الخفي والظاهر على النفوذ. هذا الإطار يمكن أن يقتصر على دول مجلس التعاون الخليجي ودول الثقل العربي وعلى رأسها مصر، بكل ما يقتضيه ذلك من استعداد هذه الدول لتجاوز التداعيات السيئة التي تسببت بها حرب اليمن على العلاقات الإقليمية، واستعدادها كذلك لتوظيف نفوذها من أجل احتواء الجبهة المقابلة المؤيدة للحوثيين، بقيادة إيران وتضع دولة عربية كبيرة مثل العراق تحت تصرفها، إلى جانب سورية ولبنان ودول عربية أخرى لا نعلمها الله يعلمها. حالما يتجاوز مجلس القيادة الرئاسي الخطوات الإجرائية ذات الطابع الدستوري ومنها أداء اليمين الدستورية أمام مجلس النواب في الداخل اليمني، وهي خطوة يجري التحضير لها حالياً، سيتعين على المجلس أن يعتمد خطة تحرك خارجية تركز بشكل أساسي على زيارة الدول المجاورة في إطار مجلس التعاون الخليجي، من أجل ضمان تأييدها ودعمها بل والعمل على استدعاء هذه الدول لأداء دور أساسي وضامن في عملية إحلال السلام المرتقبة في اليمن. إذ لا يمكن أن نغفل ما أحدثته حرب اليمن على مواقف تلك الدول، التي شعرت أن حرب التحالف تحولت إلى مهمة جيوسياسية ثنائية سعودية إماراتية، بالغة الخطورة على المنطقة، وهو الأمر الذي يُبقي عملية انتقال السلطة جزءً من مخطط ناعم لتكريس نفوذ الدولتين في اليمن ولذلك تداعياته على خارطة النفوذ الإقليمي لمرحلة ما بعد الحرب، والتي لا شك أنها ستضيف مكاسب جيوسياسية لدول وتتحول إلى تهديد وجودي لدول. خلال معظم الفترة المنقضية من حرب التحالف في اليمن، شهدنا انقساماً خليجياً واضحاً، صحيح أنه لم يتأسس على حرب اليمن، لكن سرعان ما تحولت هذه الحرب إلى جزء أساسي من حسابات الدول الخليجية المتصارعة، وقد فتح ذلك للأسف ثغرة كبيرة استفاد منها الحوثيون أيما استفادة. على مجلس القيادة الرئاسي أن يتوقف باهتمام أمام البيانات الترحيبية التي صدرت عن دول خليجية لطالما شعرت بالتوجس من حرب اليمن، لذا اتسمت بياناتها بالحذر وافتقدت إلى الحماس، فيما كان الأولى وقد انعقدت مشاورات الرياض تحت مظلة الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي أن تأتي مخرجاتها ملبية للحد المفترض من التوافق الخليجي حول مستقبل اليمن، والأهم من ذلك حول القيادة الجديدة. أقول ذلك لأن بعض الذين تم اختيارهم لعضوية مجلس القيادة الرئاسي كانوا جزء من حالة الاستقطاب التي اتجهت في جزء منها نحو تبني مواقف عدائية تجاه دول مثل قطر وسلطنة عمان، ويتعين عليهم أن يطووا هذه الصفحة السيئة. ويتعين علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن أجندة حرب التحالف في اليمن كانت تتجه في جزء منها نحو إعادة صياغة واقع جيوسياسي يعاني من الانقسام الحاد والمخاوف الوجودية المتبادلة، وقد رأينا كيف أثرت الحرب في اليمن بعمق على وحدة الصف الخليجي، خصوصاً عندما اتجهت في جزء منها نحو رسم خارطة نفوذ جديدة تشعبت وأخذت أبعاد عدائية خطيرة وهددت وجودياً دول مؤسسة وحاضرة بقوة في المؤسسة الإقليمية الخليجية. إن الحل في اليمن سواء كان سياسياً أم عسكرياً يحتاج إلى قاعدة من التوافق الإقليمي، ينتج عن قناعة دول مجلس التعاون الخليجي ودول الثقل العربي، بضرورة النظر إلى اليمن باعتباره دولة ذات ثقل ديمغرافي مهم وفضاء واعد للتكامل الاقتصادي، وليس دولة مستباحة، ويمكن للمصالح الجيوسياسية والاقتصادية التي يوفرها الوقوف خلف اليمن أن تنتج عوائد عادلة لكل دول مجلس التعاون والدول العربية خصوصاً المشاطئة للبحر الأحمر. نحتاج هذا التوافق، ونحتاج أن يتأسس أكثر على استعداد حقيقي للاستثمار في إعادة تأهيل اليمن، لا بصفته دولة هامشية بل دولة يمكن أن تتقاسم مع الدول المجاورة كلف المواجهة التي تلوح في الأفق مع مشاريع إقليمية ودولية ذات أجندة توسعية خطيرة يبدو فيها الإنسان نقطة الارتكاز في الصراع الوجودي القادم. نقلا عن عربي 21
ياسين التميمي
حرب اليمن والحاجة إلى الحل في إطار إقليمي ضامن 1059