حضرت ندوة في جامعة بروتيريا عن مبادرة السلام في اليمن، وهذا هو تفصيل ما حاولت أن أشرحه .
والموضوع اليوم هو عن كيفية مقاربتي للمسألة .
أولا: ما هو الوضع الحالي في اليمن، الآن؟
ابتدأت بالسؤال :
" هل يمكنكم تخيل عودة الفصل العنصري (الأبارتايد) في جنوب أفريقيا، بقوة السلاح وبالاستقواء بدولة أجنبية؟ "
نحن - في اليمن- كنا قد تخلصنا من "الاستعلائيين" العنصريين Spremacists والإمامة في عام ١٩٦٢ ولكنهم عادوا على هيئة الحوثيين في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ بقوة السلاح وبالاستقواء بدولة أجنبية هي إيران .
ووقعنا في اكتئاب عميق مع فوران الدم بغضب مكتوم استمر لمدة ستة شهور حتى جاءت جارتنا الشمالية المملكة العربية السعودية بحملة غارات جوية في ٢٦ مارس ٢٠١٥ .
ونحن الآن في السنة السابعة حرب، وأهلنا يُقتلون، وبلادنا تتدمر، والملايين ينزحون ويتشردون وقد فقد جيلان من أطفالنا تعليمهم .
وكأن كل هذا لا يكفي، فإننا أيضا نفقد هويتنا وتراثنا وثقافتنا لصالح نوع خاص من الحوثية الزيدية الطائفية المناطقية. ولصالح الإثني عشرية الجعفرية الإيرانية .
ثانيا: ما هي الخيارات التي أمامنا؟
١ - الاستسلام للعنصرية والطغيان .
البعض يقول: لقد قاسينا من المآسي ما يكفي وزيادة ويجب أن نحصل على السلام ولو تحت الاضطهاد لأنه أفضل من المآسي .
المشكلة في هذا الاقتراح- بجانب كونه ليس من طبائع الإنسان- فإنه لن يحقق الاستقرار ولن يجنب اليمن المآسي .
٢ - شرذمة وتفتيت الوطن
البعض يقول: يجب أن نكون واقعيين ومنطقيين ونوافق على تفتيت اليمن إلى خمسة كانتونات ونقسمها على خمسة أمراء حرب بحسب ما هو موجود حاليا على أرض الواقع، وفي نفس الوقت نهدئ الجميع بسلال غذائية ومساعدات من المجتمع الدولي لهؤلاء الشحاتين المُسَؤوِلين المطلبين .
مرة أخرى المشكلة في هذا الاقتراح- بجانب كونه مهين- فإنه لن يحقق الاستقرار ولن يجنب اليمن المآسي .
٣ - العقد الاجتماعي والدستور
البعض يقول: فلنحصل على مفاوضات وحوارات جديدة تبث وتناقش كل المواضيع ويشارك فيها كل ألوان الطيف والتنوعات في اليمن .
لكننا قد عملنا هذا فعلا من قبل وقد تحاور الناس لمدة ١٠ شهور في العاصمة صنعاء وأنتجوا عقدا اجتماعيا لليمن، هو: مخرجات الحوار الوطني ثم كتبوا بموجبه الدستور .
هل تريدوننا أن نجتمع مرة أخرى في فندق خمسة نجوم في بلد ما بعيدة لننتج نسخة طبق الأصل من مخرجات الحوار الوطني؟
لو أنتم تريدون إعادة اختراع العجلة، فمرحبا بكم .
لو يجتمع اليمنيون المرة تلو المرة بكامل إرادتهم الحرة وبكامل وعيهم، فإنهم لن ينتجوا أي وثيقة مختلفة عن تلك المسماة بمخرجات الحوار الوطني .
الحقيقة التي لن تتغير ولن تتبدل هي أن أي أحد بقوة سلاح ونيران كافية، فإنه لن يقبل بأي دور لحكم القانون المستند على عقد اجتماعي .
أي أحد بقوة سلاح أكبر، يريد مصالح ومزايا أكبر من هذه البلاد .
الذين عندهم قوة نيران وقوة سلاح أكبر داخل اليمن الآن، هم الحوثيون وحزب الله اللبناني وفيلق القدس الايراني .
الحوثي وشركاه؛ لن يقبلوا أبدا أي حل سلمي نحصل عليه بواسطة التفاوض، ولن يقبلوا أبدا بأن يشاركهم في الحكم والسلطة أي يمني آخر .
حسن النوايا عند أصدقاءنا الجنوب أفريقيين مثيرة للتأمل لأنهم يعتقدون أن الحل السلمي لأي مشكلة في أي مكان في العالم ممكن أن ينجز عن طريق التفاوض، بالضبط كما عملوا عندما أنهوا الفصل العنصري .
لسوء الحظ، ليس هناك نهاية جميلة لقصة اليمن .
الحوثيون في اليمن يعتبرون أنهم قد حصلوا على وثيقة شرعية إلٰاهية منحتهم حكم اليمن بينما حكام إيران يهدفون لإحياء امبراطورية فارس ويعقدون النية على أن تسقط اليمن في السلة كما فعلت من قبل شقيقات عربيات ثلاث من قبل في الشمال .
ثالثا: تعقيبات
١ - السبب الوحيد لخلق وظيفة المبعوث الأمريكي بشأن اليمن- تيم ليدركنج - ولدعم خاص لمبعوث الأمم المتحدة- هانس جروندبرج- هو وصول الرئيس چو بايدن .
الرئيس بايدن كان قد اكتسب لقب "چو عَدَلْ- (مثل عندنا في الحجرية أحمد عَدَلْ) أو "چو بتاع الحلول الوسط" خلال أربعة عقود من الوساطات والحلول الوسط في الكونجرس .
يعتقد بايدن بأنه يمكن حل أي مشكلة بـ"قسمة البلد نُصِّين" والجيئة هنا والعودة هناك حتى يصل إلى حل وسط .
المشكلة مع أمريكا تحت رئاسة بايدن أنها لا تستطيع أن ترى وتدرك ماهية الحوثية .
الحوثيون، مصممون على "المَسيدَة" ومعها السيطرة المطلقة على اليمن وعلى هذا فإنهم يرون أن أي وساطة وأي مفاوضات ما هي إلا وسيلة لينتزعوا مكاسب من الوسطاء، ويرهقونهم، وفي النهاية يركلونهم كقطعة زبالة إلى صحيفة القمامة هم وأوراقهم وتفاهماتهم واتفاقياتهم بعد أن يكونوا قد عصروهم كما تعصر الليمونة وبعد أن يكونوا قد استنفدوا أغراضهم منها ومن وجودهم على قيد الحياة .
المثل المُجسَّم لهذا هو ما يسمى "اتفاق ستوكهولم" الذي في الحقيقة لم يوقعه أي أحد من قبل الحوثيين أو من حكومة اليمن الشرعية ولا أي جهة من الجهات التي تطنطن له وهي أمريكا وبريطانيا ودول الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة الذين لا يملون من تكرار أن هذا الاتفاق يعتبر علامة فارقة في محاولات إنهاء حرب اليمن .
في الحقيقة، فإن ما يسمى باتفاق ستوكهولم الذي لم يوقع عليه أحد ما هو إلا علامة فقرة ما يسمى ب "المجتمع الدولي" لفقدان ثقة واحترام شعب اليمن على طول مسيرتهم في العبث ببيئات اليمن الطبيعية السياسية والمجتمعية وتصرفاتهم الرَّعناء المنعدمة لحس المسؤولية .
٢ - جهود أمريكا والأمم المتحدة الحالية، بالتأكيد ستفشل .
ستفشل لأنهم لا يملكون أي أوراق ضغط على الحوثيين ولأنهم يتقفزون ويروحون ويجيئون يستعملون مناورتين فقط لا ثالث لها :
أ- مراضاة عبدالملك الحوثي .
ب- الضغط على السعودية .
هذه هي الوصف الوحيدة التي مع المبعوثين الأمريكي والأممي لطبخة جديدة في قائمة المهازل الطويلة لسقطات وأخطاء وخطايا أمريكا .
٣ - أي محاولة من أمريكا ل "فبركة" اتفاق سلام زائف لا تقوم على أساس قواعد وأحكام القانون والدستور، لن تحقق استقرار اليمن ولن تعفيها من السقطات المعتادة في حلقات مفرغة من الفوضى والمآسي التي تتكرر عندما يفشل اليمنيون بإنشاء الدولة الحقيقية التي تحتكر استعمال القوة المسلحة حصريا .